يعود الـسحر المـصري إلى عهد السلالات الأولى، بل إلى قبل تلك الحقبة، إذ كان سكان مصر يعتقدون بأن الأرض والعالم السفلي والهواء والسماء تسكنها مخلوقات لا تُعد ولا تُحصى. وهذه المخلوقات مرئية وغير مرئية، وأن بعضها صديقة والأخرى عدوة للبشر وهي توجه الطبيعة.
أنت هنا
قراءة كتاب الـسحر المـصري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أدت دراسة بقايا نصوص الأدب المصري القديم إلى الكشف عن اعتقاد المصريين بالسحر، وبمعنى آخر قوة الأسماء السحرية والتعاويذ والعرافة والصور والحُجب والقيام بطقوس مصحوبة بكلمات مشحونة بمعاني القوة، للتوصل إلى نتائج خارقة. وقد مثّل كل ذلك جزءاً مهماً من الديانة المصرية. ورغم اعترافنا بفضل المصريين المستمر على تقدم الحضارة الإنسانية وبتطورهم الفكري الذي بلغوه، فإن المعتقدات السحرية أثرت على عقولهم منذ أقدم عصورهم وإلى الحقبة الأخيرة منها، وشكلت نظرتهم للحياة الدنيوية والروحية، على نحو يجعل من الصعب جداً، في هذه المرحلة من التاريخ، فهمه. إن العناية الفائقة التي صاحبت طقوسهم الدينية التي لا تحصى، والقواعد التي وضعوها لعبادة القوة أو القوى المقدسة، وتكريس جهودهم للسحر الديني قد منحتهم سمعة بين الأمم التي كانت على احتكاك بهم بأنهم أكثر الأمم تديناً واعتقاداً بالخرافات وأن هذه السمعة التي يستحقها المصريون القدامى بجدارة هي موضوع كتابي هذا. يعود السحر المصري إلى عهد السلالات الأولى، بل إلى قبل تلك الحقبة، إذ كان سكان مصر يعتقدون بأن الأرض والعالم السفلي والهواء والسماء تسكنها مخلوقات لا تُعد ولا تُحصى. وهذه المخلوقات مرئية وغير مرئية، وأن بعضها صديقة والأخرى عدوة للبشر وهي توجه الطبيعة. وكانـت هـذه المخلـوقـات، بالنـسبة للإنـسان الـبـدائـي، تـشبهه، فهي تمتلك كل عواطف الإنسان وضعفه ونقصه. وكان هدف السحر الرئيس إعطاء الإنسان قوة السيطرة على هذه المخلوقات. ويمكن الحصول على رضا هذه المخلوقات الصديقة بواسطة الهدايا والنذور، وإيقاف شرور المخلوقات العديدة بالمداهنة والتزلف والمدح، أو باستخدام تعويذة أو اسم سري أو وصفة سحرية أو باستخدام صورة أو نموذج يعطي للإنسان الفاني قوة ودرعاً ضد القوة الشريرة. كان السحر لدى أغلب الشعوب القديمة يهدف إلى تحويل القوة من قوى ماوراء الطبيعة إلى الإنسان حيث تمكنه من أن يصبح خارقاً ويمتلك في بعض الأحيان قدرات قوى ماوراء الطبيعة نفسها، ولكن هدف السحر المصري هو منح الإنسان وسائل لإجبار القوى الصديقة والمعادية، وفي العصور المتأخرة حتى الإله نفسه، أن يقوموا بالأعمال التي يرغب فيها، رغماً عنهم. وكان الاعتقاد بالسحر، في مصر القديمة، أقدم من الاعتقاد بالإله. ومن المؤكد أن العديد من الطقوس المصرية الدينية، التي تم أداؤها في حقب متأخرة، والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من العبادة الروحية، لها جذورها في عادات خرافية، تعود إلى عهود لم يكن فيها المصريون يمتلكون القدرة على تصور الخالق تحت أي اسم أو بأي هيئة. ومن الممكن أن يكون استخدام علامة الفأس في الكتابة الهيروغليفية رمزاً إلى (الله) أو الإله. وهذا يدل على أن هذا السلاح قد استخدم لأداء بعض الطقوس المتعلقة بالسحر الديني في فجر السلالات الأولى وبطريقة غامضة. وتدل هذه الإشارة، أي الفأس، على وجود قوة عليا، وعلى أي حال فقد نما السحر والدين جنباً إلى جنب وترعرع في مصر في كل حقبها التاريخية وإن أي تحقيق في أي موضوع يحتاج إلى تحقيق في الموضوع الآخر. ومن كُتب مصر القديمة نجد أن القوى التي يمتلكها الساحر أو الرجل الذي كانت لديه معرفة بالسحر وعمله هي قوى غير ذات حدود، فباستخدام كلمات أو أسماء القوة، بطريقة صحيحة وصوت معين، يمكن للساحر أن يشفي المرضى، ويطرد الأرواح الشريرة، التي تسبب الألم للمرضى، ويعيد الحياة للموتى، وأن يعطي الميت القدرة على تحويل جسده من جسد فانٍ إلى جسد لا يفنى، إذ يمكن للروح أن تعيش فيه إلى الأبد. وكانت كلمات الساحر تساعد الإنسان على أن يأخذ أي هيئة بإرادته إذ يمكن أن تحل أرواحهم في أجساد الحيوانات وأن تتخذ أشكالاً أخرى، واستجابة لأوامره يمكن أن تصبح التماثيل والصور كائنات حية خاضعة لأوامره، وأن تعترف قوى الطبيعة بقوته الخارقة، فتحطم الرياح والأمطار والعواصف والأنهار والبحار والأمراض أعداءه، وكل أعداء الأشخاص الذين يمتلكون معرفة هذه الكلمات السحرية، التي انتزعوها من الآلهة والسماء والأرض والعالم السفلي. وكذلك يخضع الجماد لأوامرهم وإلى كلماتهم السحرية، بل إن العالم خُلق بقيام الإله (ثوث Thoth) بنطق هذه الكلمة السحرية. وباستخدام هذه الكلمات يمكن قلب الأرض رأساً على عقب، وتنبذ المياه طبيعتها، إذ يمكن جعلها على هيئة كومات. بل يمكن حتى إيقاف سير الشمس في السماء بفعل هذه الكلمات ــ إذ لا يمكن لإله أو روح أو شيطان أو جِنّي مقاومة هذه الكلمات السحرية ــ وقد لجأ المصريون لاستخدامها للحصول على أتفه الأشياء أو أهمها في حياتهم. وبالنسبة للشخص المُطّلع بعمق على كتب «بيت الحياة القرينة»، فإن المستقبل مكشوف له، وكذلك الماضي والحجاب مرفوع عنه، إذ لا يمكن للزمان والمكان أن يحدّا من تأثير قوته، وحتى أن أسرار الحياة والموت الخفية مكشوفة له، ويمكن له رفع الحجاب عن أسرار المصير والقَدَر، هذه الأسرار المحجوبة عن عامة الناس الفانين. وإذا كانت مثل هـذه المعتقدات عـن قـوة الـساحر عـلى هـذا النحو من الانتشار بين جمهور المثقفين في مصر القديمة فلا عجب أن نجد مثل هذه المعتقدات والخرافات الوضيعة تشيع وتتفشى بين عمال وفلاحي هذا القطر الذين كانوا عاجزين عن فهم معاني ورموز الطقوس المعقدة التي كانت تؤدى في المعابد وكانوا أكثر جهلاً بالمفهوم الروحي الذي يكمن في جذور هذه الطقوس. ولمواجهة احتياجات تلك الطبقات، لجأ السحرة المصريون وفيما تلا من عهود الكهنة أيضاً، أن يزودوا هذه الطبقات بطقوس تُحرك حواسهم. وحذا حذوهم أشخاص بلا قيم غير أنهم أذكياء فاستغلوا جهل هؤلاء مدعين أنهم يملكون أسرار ما وراء الطبيعة، وأن لديهم القوة للسيطرة على الآلهة والأرواح والشياطين، وهكذا باعوا هذه المعرفة والقوة بالمال وللحصول على فوائد. وما يسمى بالساحر كان مستعداً للشعوذة والقيام بخطط شريرة يطلب ضحيته منه القيام بها. وانحط السحر إلى شعوذة وسحر أسود بحيث صار يُنظر إلى من يقوم بمثل هذه الأعمال على أن لديه صفقة مع الشيطان وأنه يخدم قوى الظلام ويعمل خادماً للسحر الأسود. وما بين السحر الأبيض والسحر الأسود المصري نجد أن أكثر السحر المعروف في أكثر البلدان يعود إلى مصر، ومن المستحيل الحكم كم من المعتقدات والتقاليد الدينية لأمم أخرى قد تأثرت بالسحر المصري ولكن يمكن القول بلا شك إن العديد من الأفكار الدينية لبعض الفرق الوثنية والمسيحية يمكن أن تعود مباشرة للمصريين. وهناك العديد من الأدلة الممتعة يمكن أن تساق لدعم ذلك، ولكن الكتاب لا يسمح باستعراضها. وإذا ما تأملنا الطبيعة الروحية للجانب الكبير من الديانة المصرية وتذكرنا قِدَمها، فسيكون من الصعب أن نفهم لماذا دوّن المصريون كل شيء عن طقوسهم، وبضمنها الطقوس البدائية والطفولية. ولعل ذلك يعود إلى أن السبب هو أنهم دوّنوا كل ما يتعلق بمعتقدات أسلافهم البدائيين أيضاً حتى في عهود نهضتهم الحضارية. وتبقى هناك حقيـقـة وهي اعتقادهم بإله واحد جبار أزلي وغير مرئي، وهو الذي خلق السموات والأرض وكل المخلوقات، وهو الذي يبعث الإنسان بشكل آخر أكثر رقياً ليعيش في عالم أزلي بصحبة الأرواح وفي عالم مثالي يحكمه كائن من أصل قدسي كان يعيش على الأرض، وقاسى من موت قاسٍ على أيدي أعدائه، وبُعثَ من الموت فصار الإله وملك العالم السفلي. ورغم اعتقادهم بكل هذه الأشياء وافتخارهم بها لم يتخلوا عن تعلقهم بالتعاويذ والطلاسم والأسماء السحرية وكلمات القوة ويظهر أنهم اعتقدوا بها لإنقاذ أرواحهم وأجسادهم كأحياء وأموات وبالثقة نفسها التي آمنوا بها بموت وبعث (أوزيريس Osiris). ومن المثير للاستغراب أنهم لم يجدوا تناقضاً في إيمانهم بالسحر والدين ويمكن للحقائق التالية أن تظهر ما يدور بعقل المصريين. إذ كان في خدمة رع إله الشمس في طيبة العديد من الكهنة، وكانت وظائفهم هي القيام باستنساخ الكتب الدينية، وإبقاء التقليد المقدس على مر العصور وكذلك خدمة الإله في كل الفصول. وكان واجب هذه الفرق كتابة نسخ من كتاب الموتى الذي كان يدفن مع الملوك والملكات والطبقة الأرستقراطية، وكانوا يبشرون بقوة إلههم وسيادته على السماء والأرض بصوت غير مسموع، وأن شعاره المرئي للبشر هو الشمس. وكان من المفترض أن يؤمنوا بما يشعرون به، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه يقومون بطقوس أخرى، إذ كانوا يفضلون نصوص كتب يجب أن تقرأ في أوقات محددة من الليل والنهار، وكانوا يعطون إرشاداتهم عن الطقوس السحرية، وكان هدفهم من ذلك هو منع الوحش الخرافي (آبيب) من قهر إله الشمس. وتقول الكتب إذا تم رسم صورة الوحش على أي ورقة بردي فيجب صنع تمثال من الشمع للوحش، وحرق التمثال بعشب من نوع خاص، وأن تقرأ كلمات معينة عـنـد حرق التمثال. وسـوف يخرج إله الشمس من الوحش آبيب منتصراً ولا يمكن للمطر أو الغيوم أو الضباب منع ضيائه عن الأرض. ويصف الكتاب هذا الاستعراض لتلك الطقوس بأنه يستحق المكافأة. 28 آب 1899 واليس بودج