كتاب "أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب"، هذا الكتاب محاولات في دراسة بعض الجوانب المهمة في الدرس اللساني، ونعني جانب المعنى وما يحفّ به من تطلعات نظرية وإجراءات عملية محفوفة بكثير من التشويق والاعتياص، في آن.
You are here
قراءة كتاب أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
من إشكاليات دراسة المعنى في اللسانيات
قد لا يكون من المدهش أن يتساءل الفيلسوف عن البديهيات كي يتوقّف مليّا عند التصوّر الشائع لها فينقده ويستدلّ على تصوُّره الجديد أو الخاصّ لها، لكن هل يحقّ للباحث الأكاديميّ أن يلبس لبوس الفيلسوف فينقلبَ مُسائلا البديهيات ومُتسائلا عنها؟ وهل الدهشة أمام البديهيات سمةٌ "فلسفية" خالصة أم إنّها تشمل المحاولات والمقاربات التي تتخذ المناهج العلمية، غير الحدسية سبيلا لكشف الحقائق وطرح البدائل؟
إذا صحّ أنّ التفكير الجديد لا يستوجب بالضرورة ابتكار أسئلة جديدة، ولكن قد يطرح، بمنهج جديد أسئلة قديمة، ومن هذا المنطلق، فإنّه من الممكن لنا أن نعيد مشكلة المعنى إلى بساط الدرس مجدّدا بعد هذا التاريخ الطويل من التساؤل ومن الإجابات المنجزة والممكنة حول سؤال المعنى: ما المعنى؟ وهل من ضرورةٍ لطرح هذا السؤال طرحا لسانيا، فضلا عن كونه سؤالا فلسفيّا ووجوديا؟
قد لا تكون الرهانات الفلسفية والوجودية من سؤال المعنى مختلفة ومنفصلة عن رهانات الباحث اللسانيّ، وهذا أمر لا غبار عليه، ولكن قد يستعين الباحث اللساني، بما عند بعض الفلاسفة من "تدخّلات" ومقاربات وجّهت الأنظار إلى رؤى مختلفة لسؤال المعنى.
فإذا ولّينا وجوهنا شطر المقاربة المحصورة في إطار البحث اللسانيّ، والتي تركّز على الجوانب اللغوية للمسألة فإنّ طبيعة الطرح ستكون ذات أفق مغاير للأفق التي يتطلّع إليه المتفلسفة والمفكّرون، وسيكون نمط المعالجة اللسانية ملمّا بالجوانب النحوية والمعجمية والدلالية والتداولية لظاهرة المعنى، بمعزل عن الأبعاد الفلسفية المحضة...
إذا كان المعنى لفظة مشتقّة من الجذر (ع / ن / ي) على صيغة مصدر ميميّ، فإنّ حقلا معجميا كاملا يمكن أن يساعدنا في محاصرة المعنى، وإذا بألفاظ من قبيل المعاناة والعناء والمعنيّ والعناية ... تصطفّ متجاورة لتشكل جريدا من الألفاظ الحافّة بلفظ "المعنى". كما تلتحق بالقائمة المذكورة قائمة أخرى تحتوي حقلا دلاليا موازيا: الدلالة والمقصد والمفهوم والفهم والمغزى والمضمون، ...
ولعلّ الحدس وحده هو الذي يشير لنا بأنّ "المعنى" أيسر دلالة ً من سائر الألفاظ. ولكنه يُسْرٌ من نوعٍ خاصٍّ. إنّه اللفظ الذي يجد له رديفا ملازما هو "اللفظ"، في حين أنّ سائر الألفاظ المذكورة لا رديفَ لها، من هذا النوع. لذلك يكثر الحديث عن اللفظ والمعنى.
ولكن، ولكثرة دوران هذا المركّب العطفيّ (اللفظ والمعنى) على الألسن، فإننا لا نقف على من يشرح لنا هذا الزوج. وكأنّ التواتر الشديد لاستعمال هذا الزوج في النقد والدراسات يُعفينا من تجشُّم شرح الواضح وتفسير المبذول.
والواقع أنّ الأمر أعقد من مسألة شرحِ أمرٍ واضحٍ أو تفسيرِ شيءٍ مبذولٍ. إنّها قضية تتصل بما وراء العلم، حيث لا يُغنينا اتخاذ حدّ منطقيّ للمعنى أو للّفظ نستقيه من هذا المعجم أو من تلك الموسوعة عن تحصيل حدث معرفيّ يتمثل في الخروج من الدائرة المفرغة التي جعلت وُكد الباحثين النظر في حيثيات المفاضلة بين اللفظ والمعنى، أو التساؤل العقيم عن وجود المعنى أصلا. هذا فضلا عن تشتّت تلك الحدود وتشعُّبها وميلها إلى محاصرة طائفة من المعاني دون أخرى، سواء لقصور الحدِّ ذاته أو لعناية واضعِه بمباحثَ دون أخرى عند وضعِه الحدَّ واقتراحِه له.
والحاصلُ أنّنا لا نريد أن نستعرضَ حدودًا متعارفةً للمعنى، أو أن نُورد نصوصا سِيقَ لفظُ المعنى في نطاقِها، من جهةٍ، ولا نودّ أن نقف موقفا لا أدريّا، من جهة أخرى. لذا سنحاول أن نرسمَ فضاءً دلاليّا يتحرّك فيه نظرُنا إلى ما نسمّيه "معنى" عسى ألا نقف عند حدودٍ أبعدَ ممّا ينبغي في نطاقِ ما نودُّ مباشرته من بحثٍ في مُشكلية المعنى.
في حدّ المعنى
الحدّ أخصّ من التعريف، يقول بعض الباحثين: " الحدّ بصفة عامّة هو عملية ذهنية تتمثل في تحديد المفهوم الخاص بتصوّر مّا؛ أي هو القول الدالّ على ماهية الشيء ويُؤخذ عادة من الجنس والفصل كحدّ الإنسان بأنّه حيوان عاقل"(1 ). ويميّز بين الحدّ والتعريف على النحو التالي: " والفرق بين الحدّ والتعريف أنّ الأول يدلّ على ماهية الشيء ويتركّب من الجنس القريب والفصل النوعيّ، في حين أن الثاني لا يُقصد منه إلا تحصيل صورة الشيء في الذهن أو توضيحها، فكلّ حدٍّ تعريفٌ ولكن ليس كلُّ تعريفٍ حدًّا تامّا، بل قد يكون حدًّا ناقصا"(2 ).