كتاب "أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب"، هذا الكتاب محاولات في دراسة بعض الجوانب المهمة في الدرس اللساني، ونعني جانب المعنى وما يحفّ به من تطلعات نظرية وإجراءات عملية محفوفة بكثير من التشويق والاعتياص، في آن.
You are here
قراءة كتاب أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
وحسب أصنافية جورج كلايبار(G.Kleiber) (الواردة في مقاله بمجلة Langue française، العدد 103، 1994، ص- ص9-22) فإنّ مقاربة المؤلفين "مقاربة عرفانية" حيث إنّ معنى الملفوظ النمطيّ هو معنى مؤسسيّ مُعدِّل للسياق أو هي وظيفة تعدِّل تأسيس المعنى. وذلك في مقابل "المقاربة المعيارية" التي يكون فيها المعنى على العكس معرَّفا بنفس الألفاظ بين الملفوظ النمطيّ والملفوظ الوارد: إنّه "معنى حرفيّ" "خارج السياق" وبوسع السياق إتمامه، تعديله، تدقيقه، لكن دون أن يغيّر طبيعته(24 ).
ويسعى المؤلفان إلى حدّ المعنى بشكل متدرّج، ويريان أنّ معنى عبارة في قول ما يتأثر بعاملين اثنين: أحدهما يتصل بشكل العبارة والثاني يتصل بسائر القول. ويتفاعل العاملان ليُعطيا للقول معناه العامّ و"قسم" المعنى المُسند إلى العبارة.
مثال ذلك: (أ) حدّثه صاحبه فترةً.
(ب) دامت الحربُ فترةً.
فلفظ (فترة) لا يندرج ضمن المشترك لمجرّد اختلاف مدلوله من سياق إلى آخر. ذلك أنّ معناه يبقى واحدا: إنّه يشير إلى فترة لا هي بالقصيرة ولا بالطويلة جدّا قياسا إلى الفترة المتوسطة للحدث الموصوف.
وتطرّق الفصل الثاني إلى مسألة شمولية ظاهرة المشترك لكلّ الوحدات اللغوية من وحدات معجمية ووحدات نحوية وتراكيب.
وتمثل الوحدات المعجمية قائمة غير محدودة (قياسا إلى الوحدات النحوية، فهذه أقلّ عددا) والمقصود بالوحدات المعجمية هي الأسماء والأفعال والصفات والمقصود بالوحدات النحوية حروف الجرّ والمُبهَمات [الضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصول] وحروف الربط واللواصق والحروف الزمنية [ياء المضارعة وسين الاستقبال...]، إلخ.
وعلى المستوى الدلاليّ تتميز الزحدات المعجمية بقدرتها على أداء دلالة صريحة مستقلة (من ذلك أنّ قلم وهو اسم، وأكل وهو فعل وأحمر وهو صفة، يشير أحدها خارج السياق إلى شيء والآخر إلى عمل والثالث إلى هيئة محسوسة)( 25).
ويمكن الإشارة إلى وحدة معيّنة قد تعطيك انطباعا بالانتماء إلى قسم أو آخر بحسب الأقوال التي ترد فيها. من ذلك فعل حمل، مثلا، له محتوى معجميّ "مليء" في القول: حمل زيدٌ حقيبةً"، ولكنه ليس سوى فعل "عامل" في القول: "حمل زيدٌ همَّ أخيه".
وقد دُرس المشترك الذي تتسم به الوحدات المعجمية "المليئة" وفق طريقتين تنتميان إلى إطارين نظريين مختلفين: التجزيء إلى سمات دلالية والاشتقاق انطلاقا من معنى "أوّل"(26 ).
فالطريقة الأولى تتمثل في جمع مجموعة من السمات (سيْماتsèmes) حول وحدة معجمية، وتمارس هذه الطريقة في علم الدلالة التجزيئي. والفكرة الأساسية هي أن تأخذ سَيْممًا (sémème) وهو مجموع سمات تمييزية، وذلك بمقارنة هذه الوحدة مع وحدات معجمية أخرى تنتمي إلى الحقل الدلاليّ نفسه. فإذا نظرنا إلى التقاطع بين سيْممات وحدات السلسلة، وجدنا سيْمما جامعا (archisémème)، ففي مثال الحقل الدلاليّ المركّب من الوحدات التالية (سيّارة، تاكسي، حافلة، قطار، مترو، طائرة، درّاجة، درّاجة ناريّة )، نجد أنّ السيْمَمَ الجامعَ، هو نقل الأشخاص.
فالمشترك هوخصيصة وحدة معجمية تتمثل في أن ترتبط بسيمَمَات كثيرة وأن تملك على الأقلّ سيْما جامعا (على عكس الجناسhomonymie الذي تكون المعاني فيه مختلفةً اختلافا جذريّا، بين الكلمتيْن المتجانستيْن، إذ ينعدم التقاطع بين سيْمماتها)(27 ) .
ويشير الباحثان إلى أنّه من الصعوبة بمكان أن نقرّ بوجود معنى أوّل تُشتقّ منه سائر المعاني. بل يتعلق الأمر بكيان أكثر تجريدا، حاول كثير من القائلين تخصيصه بطرق مختلفة( 28). ويمكن اعتبار الواسِم، من منظور علم الدلالة الطرازيّ، ذا دلالات "أوّلية" (طرازية)، تشتقّ انطلاقا منها دلالات "غير أوّلية"، وعكس علم الدلالة التجزيئي، فإننا لا نبحث عن تحديد مجموعة شروط كافية ضرورية تعيِّن دلالة الواسم، ولكننا نُعنى بتحديد العناصر التي تُعيِّن الدرجة التي توصف فيها هيئة ما وصفًا ملائما باعتماد الواسم المدروس [مثال ذلك الواسم "فوق" over] وليس باعتماد غيره من الواسمات نحو عبْر across أو تحت (above (29
فدراسة الوحدات النحوية تقوّي الاستنتاج الذي قادتنا إليه دراسة المشترك المعجميّ: إنّ منوالا كاملا للمشترك ينبغي أن يأخذ في الحساب تنوّع طُرق الوصف التي تبدو متكاملةً أكثر منها متعارضةً. وقبل أن نقتحم عملَ التعديل هذا، فإنّنا سنوسّعُ شيئا ما تعريف الوحدة اللسانية الذي اتخذناه، بحيث يسع التراكيب الإعرابية، وهي متعرّضة للمشترك هي الأخرى، حتى وإن قطع هذا التصوّر مع النظرة التقليدية لهذا المفهوم.