You are here

قراءة كتاب أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب

أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب

كتاب "أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب"، هذا الكتاب محاولات في دراسة بعض الجوانب المهمة في الدرس اللساني، ونعني جانب المعنى وما يحفّ به من تطلعات نظرية وإجراءات عملية محفوفة بكثير من التشويق والاعتياص، في آن.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 6
نشأ علم الدلالة البنيويّ من التوازي في التحليل بين كلٍّ من الدالِّ والمدلولِ. وبالنسبة إلى اللسانيات البنيوية، فإنّ قوانين المعنى مُحتواةٌ في قوانين العلامة. وتتسم وحدات المعنى، تماما مثل وحدات العلامة، بسمتي الاختلافية والتقابلية، فكما أنّ الصوتم ليس له وجودٌ مادّيٌّ ثابتٌ، ولا يمكن تعريفه إلا في تقابُله مع غيره من الصواتم، فإنّ المعنى ليس سوى اختلاف ضمن نسَق معجميّ، وما نُسمّيه معنى الكلمة يتكوّن من كلّ ما يدور "حول" هذه الكلمة. والعلامةُ المعجميةُ ليست معنى آخر سوى مكانِها في النسق الذي ينضوي تحته (وهنا نضرب مثل التقسيم اللسانيّ للألوان، في مختلف اللغات الطبيعية). من هنا، فإنّ المعنى هو شكلٌ وليس جوهرًا (ذهنيا أو اجتماعيا). والطريقة التي يُؤدّى بها المعنى نفسيّا أو في وضعية تخاطبية مّا، ليست أساسية، مثلما أنّ تحقيق الصوتم صوتيّا ليس أمرا أساسيّا.
 
وفيما يتعلّق بالعلاقات الزمنية، تدخل وحدات المعنى، مثل وحدات التمفصل الصوتميّ في ضربين من الصلات: صلات تزامُن في المقطع الحاضر نفسه، وصلات تعاقُب بين حالة نظام وحالة تالية لها. وهذا القانون ذو أهمّية بالغة من حيث تطبيقُه على إنجازات لغوية أكثر تعقيدا، أعني النصوصَ.
 
وإذا كان من الممكن أن نخلط بين زاويتي النظر النسقية والتاريخية، فإنّ التحليل البنيويّ للمعنى يجب أن يتميّز عن الدراسة التاريخية لأصوله وتطوّره، وإذا كان صحيحا أن نفهم عموما نظاما مّا قبل أن نفهم كيف يتغيّر جزءًا فجزءًا أو في كـُلـّيـّته، فإنّ للتحليل النظاميّ – مع ذلك – أولويةً على التحليل التاريخيّ.
 
وينتج عن هذا القانون أنّ النظام اللسانيّ نظامٌ مُغلقٌ، حيث إنّ كلّ الصلات ذات تعلُّق داخليّ. وهذا القانون ذو أهمّية قصوى بالنسبة إلى مفهوم المعنى. فأن نتكلّم عن معنى كلمةٍ أو جملةٍ أو نصٍّ، ما دمنا في حدود المدلول المتعلّق بالدالّ، فلا يقتضي ذلك إحالةَ اللغةِ على أيِّ شيءٍ خارجٍ عنها؛ فلا يوجد تعالٍ (transcendance) ضمن تصوُّرٍ للمعنى مشتقٍّ من قوانين المُحايَثة (immanence) التي تتحكّم في أنظمة العلامات. فلا نعني بالمعنى شيئا آخر سوى صِلات التوزيع بين علامات من الجنس نفسه وصلات التراتب بين علامات ذات رُتب مختلفة. ويمكننا حتى أن نقرّر تسمية علاقات التوزيع إلى المستوى نفسه شكلا، وأن نحتفظ بلفظ المعنى لصلات الإدماج بين وحدات ذات رُتب مختلفة. ولكن هذا التمييز بين الشكل والمعنى، لا يُغيِّر شيئا في الجوهر، إذا علمنا أنّ المعنى، بالنسبة إلى التحليل البنيويّ للمعنى، ليس شيئا يجذب اللغة إلى خارجها أو يعلّقها بأشياء غير لغوية. هذا التمييز هو نتاج دقيق لتعريف للعلامة، حيث صلة التعالي للشيء قد تمّ تبنّيها لصالح صلة الدالّ بالمدلول المحايِثة بشكل كلّيّ للعلامة نفسها. وفي الوقت نفسه، تجعل هذه الضرورةُ اللسانَ موضوعا متجانسا علميّا، بما أنّ كلّ عناصر المشكل تقع داخلَ حدودٍ وضعها المنهجُ اللسانيُّ نفسُه.
 
فالمعنى "هو الصلة الداخلية للنصّ"، كما يقول بول ريكور) (13). ولعلّ المطابقة بين المعنى والمدلول يمكن أن تخضع هي نفسها للمساءلة. ألا يمكن لنا أن نفترض في الواقع أنّ مفهوم المعنى لا يمكن اختزاله بحال من الأحوال في المدلول؛ أي في قسيم الدالّ، ولكنه سمةٌ مميّزةٌ للجملة بما هي وحدةٌ كلاميةٌ؟
 
وهذا الافتراض الذي أطلقة ريكور) (14) يقتضي أنّ العلامة والمعنى ليسا مجرّد قسيميْن مترابطيْن، مثل الدالّ والمدلول، بل هما ينتميان إلى حقليْن نظرييْن متميّزيْن، يقومان على مبادئَ متميّزةٍ ويتطلّبان أوصافا مختلفة. 
 
ويبقى سؤال المعنى مطروحا في سياق حوار جدليّ بين علم الدلالة (sémantique) وما يقتضيه منهجه من انغلاق داخل سور اللغة، وبين الدلائلية (sémiotique) وما يتقتضيه منهجها من انفتاح على العالم. وبعيدا عن الإقصاء المتبادل، يرى ريكور أنّ هاتين الرؤيتين تتكاملان؛ إذ لا قيمة لتفسير لا يُعنى بالتحضير لتأويلٍ مّا، أي لطريقةٍ جديدةٍ في النظر إلى الأشياء في كنف النصّ. وبالمقابل، فلا قيمة لتأويلٍ لا يقوم بعودة صبورةٍ نحو الدلالية العميقة التي لا يستنبطها إلا تفسيرٌ بنيويٌّ جادٌّ(15 ).
 
 مجالات المعنى
 
لا غرابة في أنّ معظم مساءلاتنا عن المعنى تتمّ داخل مجال معيّن: المعنى الأدبيّ، المعنى اللغويّ، المعنى الاصطلاحيّ، المعنى التداوليّ، المعنى الفلسفيّ، ... ومن هذا المنطلق تتبيّن لنا مشقـّة مُحاصرة المعنى وحدَه، معزولا عن مجاله الذي يشتغل فيه. 
 
بل لعلّنا نزعم أنّ شرح "معنى المعنى"، على دقّـته، أيسر من شرح "المعنى"، في نظرية "النظم" لعبد القاهر الجرجانيّ(16 ).
 
ولكن بالمقابل يبدو لنا من المهمّ مطالعة النصوص النظرية التي تتحدّث عن المعنى. فقد شهدت محطّاتٍ فكريةً متباينةً ومتطوّرةً وأحيانا متداخلةً. بحيث يمكن لنا الحديث انطلاقا من هذا التصوّر عن نظرية قديمة للمعنى ونظرية حديثة له. ولا غرابة في ذلك؛ فقد تطوَّر تصوُّر المعنى بتطوُّر الفكر البشريّ في سائر مجالات التأمّل والتنظير العلميّ والفلسفيّ.

Pages