كتاب "أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب"، هذا الكتاب محاولات في دراسة بعض الجوانب المهمة في الدرس اللساني، ونعني جانب المعنى وما يحفّ به من تطلعات نظرية وإجراءات عملية محفوفة بكثير من التشويق والاعتياص، في آن.
You are here
قراءة كتاب أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
ويُعدّ هذا الكتاب المخصّص لدراسة المشترك، حصيلة أعمال فريق متعدد الاختصاصات يتركب من لسانيين ورياضيين ومختصين في الإعلامية. وقد حاول هؤلاء أن يبلوروا نظرية في المشترك (polysémie)، تضع وصفا وحدّا لسانيين لهذه الظاهرة وتبني منوالا رياضيا يقوم على الوضع اللسانيّ للمشترك، كما تنشئ تطبيقا إعلاميّا لهذا المنوال.
ويحتوي الكتاب على تسعة فصول، يعتمّ الأوّل بالإطار النظريّ الذي يندرج فيه العمل وينظر الفصل الثاني في ظاهرة المشترك وفي بعض المقاربات التي سعت إلى وصفها. ويعرض الفصل الثالث المنوال الرياضيّ لظاهرة المشترك والفصل التالي يحتوي على تطبيق معلوماتيّ لذلك المنوال.
أما الفصول الخامس والسادس والسابع، فتركّز على دراسة مثال المفعول المطلق أيضا (encore) دراسةً معمّقةً، باعتباره مشتركا. وقد جرت التطبيقات المعلوماتية على هذا المثال الملموس.
ويفتح الفصلان الأخيران الآفاق: فالفصل الثامن يرسم مسلكا للبحث يسمح بتجاوز عدم كفاية المنوال. ويضع الفصل التاسع هذا النوع من الأعمال في سياق الإشكالية العامّة للعلوم العرفانية.
وقد وضّحت المقدّمة – وعنوانها "المشترك في صميم اللسان" – إشكالياتٍ أساسيةً تتصل بمبحث المشترك: لعلّ أهمّها إشكالية حدّ هذا المفهوم حدّا جامعا مانعا لا سيما وقد قاربه في التصور كثير من المفاهيم الأخرى كالتشاكُل (homonymie) والترادف (synonymie). وتبقى التمييزات المقترحة بين المشترك والتشاكُل، مثلا، في حاجة إلى مزيد الضبط، إذ يحتاج الباحث عمليا إلى التثبّت ممّا تمدّه به المداخل المعجمية، لا سيما فيما يتصل بالأصول الاشتقاقية (التأثيليةétymologiques). فضلا عن التساؤل– الذي يعود إلى بنفنيست (Benveniste) – عن منزلة علم الدلالة ضمن علوم اللغة.
ولئن كانت ظاهرة المشترك قائمةً في كلّ اللغات، فإنّها أحقّ من سائر مستويات التحليل اللغويّ (الصوتميّ والصرفيّ والإعرابيّ) بإبراز "عبقرية اللسان".
ويشير الفصل الأول – وعنوانه "البناء الدينامي للمعنى" – إلى مركزية إشكالية المعنى في اللسانيات ويتم استعراض زوج اصطلاحيّ: الملفوظ الوارد (énoncé-occurrence) والملفوظ النمطيّ (énoncé-type). فالأول هو قول منطوق في زمان معيّن ومكان محدّد من قِبَل شخص معيّن، أمّا الثاني، فهو مجموع العلامات اللسانية للملفوظ الوارد، أي هو سلسلة الأصوات والسمات التنغيمية التي يتكون منها القول.
فالملفوظ النمطيّ الواحد قد تقابله ملفوظات واردةٌ كثيرة. فالقول "الطقس بارد" يتلفظ به شخصٌ ردّا على دعوة صديق إلى النزهة، قد يعني أن الحرارة تبلغ 5 درجات، إذا كان المتكلم في تونس شتاءً. والقول ذاته يقوله صديق أثناء السهرة لأصدقائه، يعني أنّه يستأذنهم في ارتداء معطفه، ولعل الحرارة تكون مثلا 10 درجات. أمّا إذا قيل "الطقس بارد"، في رواية للخيال العلميّ، فقد يكون المقصود أنّ الحرارة تبلغ بمقاييسنا العادية 100 درجة تحت الصفر، وهو معطى لا وجود له إلا في الرواية.
فهذه الملفوظات الواردة هي ظواهر ملاحظة، أمّا الملفوظ النمطيّ، فهو مفهوم مجرّد يقتضي تعريفه نظرية كاملةً. فإذا كان الأمر كذلك، فبأيّ معنى نقول إنّ للملفوظ النمطيّ معنى؟
لا يخفى أنّ الملفوظات الواردة الثلاثة التي استعرضناها منذ حين، لا تقوم بوظائفها في سياقاتها المخصوصة، إلا إذا كان للملفوظ النمطيّ "الطقس بارد" معنى. وهو معنى يختلف عن معاني سائر الملفوظات النمطية من قبيل "الطقس حارّ" و"ليس الطقس باردا" أو حتى "سيكون الطقس باردا". ولكن هذا المعنى لا نلاحظه إذ نحن نلاحظ أثر ورود ملفوظ نمطيّ، وهو أثر متغيّر من ورود إلى آخر للملفوظ النمطيّ الواحد.
فالمعنى الذي يتمتع به الملفوظ الوارد هو مشاركة ذلك الملفوظ في بناء عالم ينشأ في الخطاب وعبْره.
أمّا الإقرار بوجود معنى للملفوظات النمطية، فهو مصادرة من المصادرات التي يتأسس عليها عمل مؤلّفي الكتاب، ترى أنّ معنى الملفوظ النمطيّ هي "طاقته" في السياق أو هو مجموع الضوابط اللسانية التي تنضاف إلى شروط التلفّظ لفهم وظيفة الملفوظ النمطيّ المعيّن وآثاره.