كتاب "أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب"، هذا الكتاب محاولات في دراسة بعض الجوانب المهمة في الدرس اللساني، ونعني جانب المعنى وما يحفّ به من تطلعات نظرية وإجراءات عملية محفوفة بكثير من التشويق والاعتياص، في آن.
You are here
قراءة كتاب أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
تحليل المعنى في بعض النظريات الدلالية الحديثة
مبحث المشترك نموذجا
إن أردت أنّ سائر اللغات تبين إبانة اللغة العربية، فهذا غلط، لأنّا لو احتجنا أن نعبّر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لَمَا أمكننا ذلك إلاّ باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة، وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء المسمّاة بالأسماء المترادفة. فأين هذا من ذاك؟ وأين لسائر اللغات من السعة ما للغة العرب؟ هذا ما لا خفاء به على ذي نُهْيَةٍ.
أحمد بن فارس، الصاحبيّ في فقه اللغة
يجد الناظر في مبحث المشترك إغراء بالبحث لما يُلاحظ من تناقض بين المراجع في نظرة أصحابها إلى هذا المبحث، فمنهم المنكر ومنهم المثبت، وقد عجّت بهذا الخلاف كتب اللغة والدراسات الحديثة التي تناولت هذا الجانب. أمّا ما يلفت الانتباه أكثر من ذلك، فهو أصالة المبحث وتجدد النظر إليه بين العصور وبين الألسن، فلا نكاد نجد لسانا حيّا لم يتطرّق أهله إلى مسألة المشترك. غير أنّ المقاربة تتراوح بين التوسيع والتضييق، فمنهم من يتناول المشترك بوصفه ظاهرة معجمية خالصة لا تمسّ مستويات التحليل اللسانيّ الأخرى: تركيبا وصرفا واشتقاقا ودلالة وتداوُلا، ومنهم من ينهض رأيه على تناول المشترك من زاوية نظر عرفانية ذهنية محضة، تجرّد المسألة تجريدا وتنأى بها عن التناول التجريبيّ.
ونعتمد في تناول هذا المبحث على نظرية حساب المعنى لفكتوري وفوكس ونظرية الطراز لكلايبار) (23)
1- المشترك والتأسيس الدينامي للمعنى:
يعتبر فكتوري وفوكس(Victorri & Fuchs) في كتابهما: "المشترك: تأسيس ديناميّ للمعنى" (هرمس، باريس، 1996)، وتحديدا في الفصل الثالث "منوال صرفيّ ديناميّ" أنه يوجد منوالان رياضيان لدراسة الظاهرة اللغوية: أحدهما المنوال الرياضي الجبريّ وقد تولّدت عنه الأنحاء الصورية التي تكاثرت في العقديْن الأخيرين، أمّا المنوال المضادّ لذلك، فهو الذي يتبعه المؤلّفان، وهو منوال رياضيّات الاسترسال، وقد شرحا سببين لاختيار هذا المنوال الأخير:
فالسبب الأول يتمثل في طبيعة اللغة، فإذا كانت الألسنة خفيّةً (discrètes)، فذلك لأنّها تجري إخفاء مضاعفا في الميدانيْن اللذيْن "تمفصلهما" أو "تزاوج بينهما"، وهما ميدانا الأصوات و"الأفكار". ويبيّن دي سوسير أنّ كلا الميدانين يُمثّل استرسالا (continuum). وطبيعيّ أنّ فكتوري وفوكس لن يهتمّا في كتابهما بميدان الأصوات، بل بميدان "الأفكار"، ويعتبران أنّ طبيعة الموضوع تسير في فلَك تبنّي إطار رياضيات الاسترسال، ومن ثمة اشتقّا مفهوم الفضاء الدلاليّ بوصفه مشتملا على بنية تغيّر[ تنوّع]، قابلة للفارقية (différentiable).
أما السبب الثاني، فهو احتياج الظواهرالعلمية ذات المسار الدرجيّ (processus graduel) إلى رياضيات الاسترسال لصياغة تلك الظواهر وضرب الباحثان على هذه الفكرة أمثلة العلوم التجريبية كالكيمياء ولفيزياء والبيولوجيا وغيرها. فمن الواضح أنّ الألسن تمثّل – لا سيما في علم الدلالة – قدرا من الدرجية.