كتاب "الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة"، تهدف هذه الدراسة الى إلقاء الضوء على كل ما يتعلق بالاستراتيجية النووية وأبعادها في فترة ما بعد الحرب الباردة من تطورات وعقائد جديدة والاطلاع على سياسة الردع النووي وتأثيرها وسياسة عدم الانتشار ومخاطر عدم
You are here
قراءة كتاب الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
انه من الخطأ التصور بان هذه الاستراتيجية وليدة احداث 11 ايلول اذ لم تكن هذه الرؤية تحتاج لتلك الاحداث لتتبلور. فقد تكونت ملامحها منذ الاشهر الاولى لنهاية الحرب الباردة وصاغ المؤمنون بها تقارير وقع تبنيها رسمياً منذ عام 1992، لقد روج لها كراو ثامر من ايلول/سبتمبر 1990 أي اشهر قليلة قبل الحرب الامريكية الاولى على العراق. وان المؤلف تسائل هل ان سقوط الاتحاد السوفيتي يعني نهاية تهديدات جدية للولايات المتحدة؟. ورأى الكاتب ان هناك تغييراً اساسياً طرأ على العالم مع بداية انهيار الكتلة الشرقية يتميز بحيازة دول صغيرة ومغامرة على اخطر الاسلحة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة مع ظهور بيئة استراتيجية جديدة تتميز برواج اسلحة الدمار الشامل. كذلك نشير الى تقرير ولفو وتيز في جريدة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 8 اذار 1992 والذي قال فيه "ان التركيز الكبير في هذه الوثيقة وغيرها من وثائق التخطيط العسكري التابعة لوزارة الدفاع يقع على استعمال القوة اذا دعت الضرورة لاستباق انتشار الاسلحة النووية واسلحة اخرى للدمار الشامل في دول مثل كوريا الشمالية والعراق وغيرها".
ودار جدل حول هذه الاستراتيجية في صيف عام 2002 "الحرب الاستباقية" في سلسلة المقالات خلال النقاش الساخن الذي جرى حول ضرب العراق. بدون شك بدأ تيار المحافظين الجدد-الداعين لهذه الاستراتيجية- يتصاعد منذ اواسط التسعينات. ونشر مقال في مجلة فورين افيرز الدورية 1996 لروبرت كاغان ووليم كريستول بعنوان "من اجل سياسة خارجية نيوريغنية" يدعوان فيه الى تغيير جذري واضح في السياسة الخارجية الامريكية ويقولان في المقدمة "ان المسألة الدائمة لما بعد الحرب الباردة والمتمثلة في تساؤل اين التهديد؟ هو مطروح بشكل خاطئ. ففي عالم يعتمد السلام والامن الامريكيين فيه على القوة الامريكية وارادة استعمالها يتمثل التهديد الاساسي الذي تواجهه الولايات المتحدة الان وفي المستقبل هو ضعفها وان الهيمنة الامريكية هي خط الدفاع الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في وجه انهيار السلام والامن الدوليين وبالتالي فان الهدف المناسب للسياسة الخارجية الامريكية هو المحافظة على هذه الهيمنة ما امكن ذلك في المستقبل. وتحتاج الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف الى سياسة خارجية نيوريغنية تؤمن بالهيمنة العسكرية والثقة الاخلاقية وخاصة ميزانية عسكرية كبيرة وان ميزانية الدفاع المقترحة من قبل ادارة كلنتون غير كافية. وبالرغم من عدم تعرضهما بشكل صريح لاستراتيجية الحرب الاستباقية فان اراء كلاهما حول الاستراتيجية العامة هي للمحافظة على الهيمنة الامريكية بالاضافة الى تركيزهما على ضرورة اعتماد ميزانية دفاع كبيرة كلها خصائص شكلت اهم الاسس التي تقوم عليها الحرب الاستباقية. وهذا ما يفسر التبني العلني والواضح في وقت لاحق من قبل الكاتبين لهذه الاستراتيجية. وعند عرض ومناقشة تقرير المراجعة الرباعية للدفاع في 22/ ايار/ 1997 عادت رؤية هذه الاستراتيجية الى البروز. وعند تبنيها امام الكونغرس صدر تقرير وزير الدفاع وليم كوهين يقول في اهم فقراته "سيبقى العالم مكاناً خطراً وغير امن بشكل كبير وستواجه الولايات المتحدة على الاغلب عدداً من التحديات الجدية لامنها من الان وحتى سنة 2015. اولاً، سنواصل التعرض لمجموعة من المخاطر الاقليمية اكثر اهمية على الاطلاق يمثله تهديد التحرش بالولايات المتحدة واصدقائها في مناطق حساسة وغزو كبير لحدودها من قبل دول معادية تملك قوة عسكرية مهمة".
ويضيف التقرير"ان مسألة اتخاذ القرارات بشأن استخدام القوة العسكرية يجب ان يحدد قبل كل شيء على اساس المصالح القومية للولايات المتحدة. وعندما تكون المصالح حيوية-أي تتسم باهمية كبيرة، وشاملة في بقاء وامن وحيوية الولايات المتحدة- فيجب انذاك ان تقوم بكل ما يلزم للدفاع عنها بما في ذلك، واذا دعت الضرورة الاستخدام الاحادي للقوة العسكرية وذلك لاسباب منها منع ظهور تحالف او قوة اقليمية معادية"". لقد كان الاعتماد الرسمي والعلني للمرة الاولى لاستراتيجية الحرب الاستباقية انتصاراً صامتاً ولكنه انتصار كبير للغاية لتيار المحافظين الجدد الذي كان بصدد التشكيل. غير ان هؤلاء فهموا ان التبني الرسمي لوزارة الدفاع والكونغرس سيكون حتماً ذا طابع شكلي ان لم تسر ادارة كلنتون في نفس الاتجاه. وبعد اسابيع قليلة من تبني تقرير كوهين من قبل الكونغرس وفي رسالة علنية بتاريخ 26 كانون الثاني 1998 موجهة الى الرئيس الامريكي كلنتون دعا انصار الحرب الاستباقية الرئيس لتبني استراتيجيتهم الهجومية ووضعها موضع التنفيذ من خلال الحرب على العراق. وقد وقع على هذه الرسالة ثمانية عشر شخصية سياسية وفكرية كشفوا لاول مرة فيها على وجود تيار واضح المعالم يتبنى استراتيجية الحرب الاستباقية. غير ان هذا التيار كان محدوداً انذاك حيث بقي يطلب حتى ذلك الوقت الدعم الكامل للاطراف السياسية الاساسية. واهم هذه الشخصيات دونالد رامسفيلد وبول ولفو وتيز وريتشارد بيرل وريتشارد رودمان وريتشارد ارميتاج وجون بولتون وباولا دوبريانسكي وزلماي خليل زاد. واذا لم تنجح هذه المجموعة في اقناع الرئيس كلنتون فقد نجحت في التحكم في طاقم ادارة الرئيس بوش الابن. وان عدداً من هؤلاء قد عينوا في مناصب حساسة من قبل بوش الابن وهو عكس سيطرة كاملة على وزارة الدفاع، بالاضافة الى سيطرة جزئية على وزارة الخارجية (21).
ويشار، كما ذكرنا، الى خطاب الرئيس جورج دبليو بوش في اكاديمية ويست بوينت في الاول من حزيران 2002 كعقيدة استراتيجية التي سوف تستلهمها ادارته من الان فصاعداً. والخطاب يتضمن ما يتجاوز المفهوم الدفاعي الجديد اعادة نظر صريحة في المبادئ التي كانت تعمل بموجبها الولايات المتحدة مع ما يترتب على ذلك من نتائج كبيرة في قيادة السياسة الخارجية وتنظيم القوات المسلحة وقيادتها وعقيدة استخدام القوى فيها. وبحسب بوش فان المخاطر التي على امريكا مواجهتها تأتي من مجموعات ارهابية دولية ومن دول تتساهل معها وتؤويها او تدعمها وايضاًً من هؤلاء الذين يملكون اسلحة الدمار الشامل او الذين يزودونها او يستعدون لانتاجها. وبما ان هذه المخاطر قد تغيرت في مصدرها وطبيعتها فان على الرد ان يتغير ايضاً في صورة كاملة. واكد الرئيس بوش في هذا الخطاب بانه يجب على الولايات المتحدة ان لا تقبل اطلاقاً بان يتمكن اعدائها الجدد من ان يوجهوا اليها او الى حلفائها ضربة مشابهة لتلك التي حصلت في 11 ايلول ولا حتى القبول باحتمال تنظيم هجمات ضد السفارات والوحدات البحرية او الحاميات الامريكية. واعلن ان استراتيجية واشنطن ستهدف من الان فصاعداً الى منع تجسيد هذه المخاطر من خلال اطلاق ضربات وقائية، ضد اعدائها المحتملين. انه تحول رئيسي. حتى الان كانت الولايات المتحدة تؤكد انها لن تستخدم قوتها العسكرية الا في سياق رد الاعتداء، وان مبادرة الحروب التي قد تتورط فيها تعود الى اعدائها. لقد انتهى العمل اليوم بهذا المحظور. وكان الرئيس بوش سبق ولمح الى ذلك في خطابه حول حال الاتحاد في مطلع السنة (22).