كتاب "الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة"، تهدف هذه الدراسة الى إلقاء الضوء على كل ما يتعلق بالاستراتيجية النووية وأبعادها في فترة ما بعد الحرب الباردة من تطورات وعقائد جديدة والاطلاع على سياسة الردع النووي وتأثيرها وسياسة عدم الانتشار ومخاطر عدم
You are here
قراءة كتاب الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
تطور العلاقات الاستراتيجية الامريكية-الروسية
عندما وقع الرئيس الامريكي جورج بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلاناً مشتركاً عن وضع اطار استراتيجي جديد للعلاقات الامريكية-الروسية في موسكو في 24/ آيار/ مايو 2002 وضع البلدان في مسار يفضي مباشرة الى علاقة متحولة. وهذه العلاقة المتحولة تعد بخدمة مصالح البلدين في السنوات القادمة. وسبب ذلك يعود الى ان الاعلان المشترك يقوم بارجاع دور سياسة القوة العسكرية في العلاقات الامريكية-الروسية الى موضعها الصحيح. ففي اثناء الحرب الباردة اصبحت سياسة القوة العسكرية هي المهيمنة، ان لم نقل المحددة بالكامل للعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وفرضت هذه العلاقات المتحولة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية فتتيح للجانبين التخلص من هذه الاعباء واغتنام فرص جديدة. يرى بعض المعلقين بأن العلاقة المتحولة لا تعدو كونها انعكاساً لتفوق قوة الولايات المتحدة على قوة روسيا، وانها امر فرضته الولايات المتحدة على الحكومة الروسية على حساب الشعب الروسي. وفي حين يبدو واضحاً ان الولايات المتحدة هي اقوى الدولتين في ذلك الوقت وان سياسات القوة ستعلب دوراً مهماً في العلاقات بينهما، فأن هذا التحليل لا يأخذ بنظر الاعتبار حقيقة غياب هيمنة سياسة القوة العسكرية. ان المنتقدين مخطئون لانهم يحكمون على العلاقة الجديدة بمنظار الحرب الباردة الذي عفا عنه الزمن. واكثر ما ادى بهؤلاء المنتقدين الى الوقوع في الخطأ في تحليليهم مقولة ان العلاقة الامريكية-الروسية الجديدة ستكون ضارة بالمواطنين الروس. فبعد ان تخلص الشعب الروسي من الاعباء التي كانت تفرضها عليهم حكومة ركزت بشدة على تعزيز قوة الدولة، ازدادت الفرص امام هذا الشعب في تحقيق آماله (45).
لقد كان الاتحاد السوفيتي كدولة تمجد تكديس القوة، لاسيما قوة الدولة، والايديولوجية الشيوعية التي شرعت النظام نتيجة لذلك دفعت الدولة الى اعتبار القوة لا كوسيلة لتحقيق مثل عليا مثل الحرية والازدهار، بل غاية في حد ذاتها. ودفعت الدولة ايضاً الى ان تطلب من الشعب الروسي ان يبذل المزيد من التضحيات خدمة لزيادة قوتها ومكانها. وعلى الصعيد الدولي، دفع الهدف نفسه النظام السوفيتي الى قياس هيبته بقدرته على ترهيب واكراه دول اخرى. ودفع الشعب السوفيتي ثمناً مريباً لطموحات الدولة السوفيتية. فتم حرمان الناس من الحرية الشخصية واصبح الاقتصاد عسكرياً بصورة مفرطة وهبط مستوى المعيشة اما المنافذ الروحية فقد اقفلت. ان السعي الى القوة على حساب قيم اخرى امر لا يمكن الحفاظ عليه ومصيره الفشل، كما اكتشف الاتحاد السوفيتي في نهاية المطاف. وتبين بأن قدراته كقوة عظمى كانت في الحقيقة فراغ. بسبب ذلك هو ان مطالب النظام من شعبه في نهاية الامر ادى الى اصابة المجتمع بالاعياء. فالدولة كانت تأخذ من الناس ولا تعطيهم في المقابل سوى الاعلان عن نفسها كقوة عظمى. ان المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة زادت من الضغط على الشعب السوفيتي وسرعت معدل الاعياء. وفي نهاية الامر كان السؤال الذي واجهه الشعب السوفيتي هو ما اذا كانت المنافسة مع الولايات المتحدة على القوة جديرة بالتضحيات التي يبذلها. بحلول نهاية عام 1991، اجاب شعب الاتحاد السوفيتي عن السؤال بالنفي. ووضعت الحرب الباردة اوزارها (46).
لقد اسهمت الحكومة الروسية في اطار العمل الاستراتيجي الامريكي-الروسي من خلال ادراكها انها ليست بحاجة الى قياس قيمتها الذاتية على اساس ما اذا كان لديها من القوة العسكرية اكثر مما لدى الولايات المتحدة، بل انها تبدو الان مستعدة للحكم على نجاحها بمقياس قدرتها على تحسين نوعية حياة شعبها. وبخلاف الاتحاد السوفيتي يبدو ان الحكومة الروسية تضع اولوياتها في الترتيب الصحيح. ولعل من المفارقات ان الاولويات الجديدة تحسن بالفعل احتمالات تمكن روسيا من تجديد وتقوية نفسها بمرور الزمن. وبالمقابل لا تخشى الولايات المتحدة روسيا قوية بل تسعى الى تحاشي ان تكون روسيا مهددة (47).
وسينعكس الوضع الاستراتيجي ايجابياً بالنسبة لروسيا بالشكل الآتي:-
1. تحسن احتمالات السلام على الجبهة الروسية الغربية وفي ما يخص الشؤون الاقليمية فأن اطار العمل الاستراتيجي الجديد يقرب روسيا من الهيكلية الامنية التي يقودها حلف الاطلسي في اوربا. تساعد هذه الهيكلية التي قامت بعد الحرب الباردة في تقليل احتمالات اضطراب الامن والنزاع المسلح في اوربا. نتيجة لذلك، لا يواجه الشعب الروسي خطر وقوع نزاع عسكري ينبع من بلدان تقع الى الغرب من روسيا، كما ان التعاون الاقليمي مع الولايات المتحدة يمتد الى مناطق اخرى من العالم ايضاً.
2. حرب اكثر فعالية على الجريمة المنظمة، تشكل الجريمة المنظمة مشكلة خطيرة في روسيا ويعزز اطار العمل الاستراتيجي الجديد التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في هذا المجال البالغ الاهمية. في كانون الثاني/ يناير 2002 دخلت المعاهدة الروسية- الامريكية حول المساعدة المتبادلة في الشؤون الاجرامية حيز التنفيذ. تهدف المعاهدة الى المساعدة في خفض امكانية تعرض الشعب الروسي للاخطار بسبب نشاطات الجريمة المنظمة الدولية.
3. تحسن الامكانيات الاقتصادية المستقبلية. تكمن زيادة الفرص الاقتصادية في صلب الجهد الرامي الى تحسين معيشة الشعب الروسي. ويتصور اطار العمل الاستراتيجي الجديد دمج روسيا في الاقتصاد العالمي بالموافقة على انضمامها الى منظمة التجارة العالمية. وسوف تكون الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع روسيا في مجال استكشاف وتطوير الطاقة.
4. المساعدة في مكافحة الارهاب الدولي. ترى الولايات المتحدة بأنها ليست وحيدة في مواجهة الارهاب الدولي. وتتعاون مع روسيا بصورة وثيقة منذ هجوم الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر لمواجهة الارهاب حيث يقلل هذا التعاون من احتمال تعرض الشعب الروسي في المستقبل لمثل الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة.
5. استقرار استراتيجي اكبر وعب دفاعي اصغر. ان توقف روسيا من اعتماد سياسة القوة كأساس لعلاقاتها مع الولايات المتحدة تقضي بتخفيض عدد الرؤوس النووية المنشورة الى ما بين 1700 و2200 لكل جانب.
هذا الامر سيساعد في تقليص العبء الدفاعي المفروض على الاقتصاد الروسي. كما ان تدابير الشفافية ستحد الى اقل قدر ممكن من احتمال وقوع مجابهة استراتيجية. ويشكل التعاون في الدفاع الصاروخي جزءاً من اطار العمل الاستراتيجي، الامر الذي يتيح للبلدين التصدي لخطر انتشار الصواريخ (48).