كتاب "الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة"، تهدف هذه الدراسة الى إلقاء الضوء على كل ما يتعلق بالاستراتيجية النووية وأبعادها في فترة ما بعد الحرب الباردة من تطورات وعقائد جديدة والاطلاع على سياسة الردع النووي وتأثيرها وسياسة عدم الانتشار ومخاطر عدم
You are here
قراءة كتاب الإستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
طالما شدد واضعوا الخطط العسكرية الامريكية على ان نظرتهم في "السيطرة الاستراتيجية" وجدت استجابة لكل اشكال النزاع. ويجري تطبيقها بحسب طبيعة الخصم واعدادة وقوته الصناعية وبنيته التحتية وحجم مدنه ولاسيما نظامه السياسي وما المطلوب القيام به لقلبه او تحييده. فالنظرية تترك المجال واسعاً امام التجريبية في تطبيقها، وذلك يعني ان الخبراء الامريكيين (سواء في الادارة او في مؤسسات الابحاث المتعاقدة مع هذه الادارة) قد درسوا بدقة تنفيذها خلال حروب الخليج والبوسنة ومن بعدها كوسوفو (37).
دامت الهجمات الامريكية على العراق 43 يوماً تبعتها اربعة ايام فقط من العمليات الارضية. في البوسنة تناول القصف 300 هدف تمت اصابتها مقابل خسارة طائرتين وقتيلين بعدما تكفل الحلفاء العمليات على الارض. في كوسوفو دامت الحرب 78 يوماً ولم تكن فعالة الا ضد الاهداف المدنية في صربيا ومونتنيغرو وفي اقليم كوسوفو من دون ان يتكبد الامريكيون أي خسارة في الارواح. ولم تعترف وزارة الدفاع الامريكية الا بخسارة طائرة "اف 117" وحوالي 15 طيارة دون طيار. ويتفق الخبراء على الفشل شبه العام للضربات الموجهة للجيش اليوغسلافي معترفين فقط بتدمير 12 او 13 دبابة أي بالتحديد العدد الذي اعلنته القيادة اليوغسلافية وهو بعيد كل البعد عن النتائج الباهرة التي كان يعلنها مكتب الاعلام والدعاية في حلف شمال الاطلسي ابان الحرب نفسها. بيد ان هؤلاء الخبراء يقرون بان فعالية القصف تتحسن من تجربة الى اخرى (38).
اما في حرب افغانستان فقد تم تطبيق النظرية نفسها لكن من خلال ملائمتها مع طبيعة الارض وطبيعة القوى المتواجهة. ففي مرحلة اولى وطالما كانت الاولوية معطاة لتكوين سلطة سياسية بديلة من "طالبان" كانت الضربات الجوية موجهة الى قدرات العدو العسكرية من مطارات ودبابات وتجمعات للمعدات ومخازن ذخيرة، مع استخدام اضافي للصواريخ البعيدة المدى التي تطلق بدقة كبيرة من الطائرات او من البوارج البحرية في مرحلة ثانية، عندما اصبح الهدف احتلال الارض على يد تحالف الشمال ومن ثم بواسطة المليشيات البشتونية المجندة محلياً، تم اللجوء الى عمليات القصف المكثف (39).
وبشكل عام، وبعد افغانستان والعراق والبوسنة وكوسوفو يحق للمسؤولين الامريكيين الاعتقاد بحسن تطبيق مبدأهم في السيطرة الاستراتيجية مع بعض التنويعات التي لا مفر منها وبفعالية كافية تمكنهم من تحقيق اهدافهم الاساسية من دون خسائر تذكر من جانبهم.
يعرض دعاة العقيدة العسكرية الامريكية وصناعها ببساطة ومن دون ارتباك للارتباط بين مفهوم السيطرة الاستراتيجية ومشاريع الدفاع المضاد للصواريخ الراهنة، فيشيرون في طبيعة الحال الى التهديد الذي تمثله بعض الدول ذات القوة العسكرية المحدودة لكن القادرة على مهاجمة الاراضي الامريكية بواسطة صواريخ متوسطة او بعيدة المدى. ويطمئنون الى ان القوة الجوية الامريكية تفترض حصانة الاراضي الامريكية، اذ ان وسائل الدفاع المضادة للصواريخ المنشورة في الخارج او في عرض البحر لا يمكن ان تكون سوى صلات وصل. هكذا يبدو الرابط بين "مفهوم السيطرة الاستراتيجية" ومشروع الدرع الصاروخي حاسماً اكثر من التفسيرات التي تعطى له رسمياً. وكان هذا المشروع المعروف باسم "نظام الدفاع الصاروخي" قد اثار العديد من الاعتراضات التي لم تصمد امام التصميم الامريكي حتى عندما اعلنت حكومة بوش للملأ انها ستوقف من جانب واحد العمل بمعاهدة 1972 حول الحد من الاسلحة الصاروخية. ولا عندما قامت بتجربة ناجحة لاطلاق صاروخ مضاد للصواريخ من ظهر بارجة بحرية قبل انقضاء مهلة الستة اشهر التي تنص عليها المعاهدة في حال وقف العمل بها من جانب واحد (40).
وفي خطابه في الجامعة الوطنية للدفاع في الاول من ايار/ مايو 2001 صرح الرئيس بوش انه "لا يمكن الان ان يستند الردع بعد اليوم الى التهديد بالردع الانتقامي النووي فقط". ودعا الى ايجاد مفاهيم جديدة للردع تعتمد القوات الهجومية والدفاعية. من المفروض ان تساعد هذه المفاهيم الجديدة للردع في تامين استراتيجية شاملة لمحاربة انتشار اسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا انتاج الصواريخ العابرة للقارات. وتتطلب هذه الاستراتيجية:
1. المحافظة على علاقات التحالف الاساسية وتحسينها، واعادة طمأنة الاصدقاء بأن الولايات المتحدة تلتزم بتأمين نظام دولي مستقر وان مصالحها الامنية لا تنفصل عن مصالحهم.
2. انهاء التحديات، بدلاً من تأجيلها بطريقة تؤخر حدوثها ولكن تجعل مما سوف تواجهه الولايات المتحدة منها في المستقبل اشد خطورة.
3. اعادة صياغة السياسة الخارجية الامريكية بحيث تدمج بشكل متكامل كافة مصادر التأثير المتوفرة.
4. ثني الاعداء عن اتباع مسارات عمل معادية مع الاحتفاظ بالقدرة على دحر الاعتداءات (41).
ولكي تكون الاستراتيجية الامريكية فعالة، فانها يجب ان تشمل مجالاً واسعاً من السياسات والبرامج بما في ذلك جهود مستبقة للاحداث لمنع انتشار الاسلحة، وخفض التهديدات، واجراءات مضادة لانتشار الاسلحة، وقدرات استجابة فعالة لتخفيف نتائج استخدام اسلحة الدمار الشامل. يقوم احد المكونات الضرورية لنجاح هذه الاستراتيجية على اعادة تشكيل المبدأ العسكري للولايات المتحدة وقدراتها العسكرية بحيث تستجيب الى التهديدات المعاصرة الناشئة. ويتطلب ذلك تحويل موقف الولايات المتحدة من الردع. ان المفاهيم الاستراتيجية والقوات العسكرية لا تناسب مواجهة العناصر الاكثر الحاحاً لتهديدات اليوم الحاضر. ونتيجة لذلك، يصبح من الالزامي ادارة الانتقال الى بيئة امنية اكثر استقراراً من خلال تغيير طريقة التفكير الامريكي حول الردع وممارسته. وعلى الولايات المتحدة ان تعيد تصميم الردع لجعله مستبقاً للاحداث بدلاً من ان يكون رد فعل. يتطلب ردع التهديدات الجديدة مفاهيم وقدرات جديدة ومختلفة. تشكل خطة مراجعة الوضع النووي التي اكملتها حديثاً وزارة الدفاع الامريكية خطوة مهمة في هذا الاتجاه. فهي تضع اساسات لمقاربة متنوعة للردع تضم قدرات توجيه ضربات هجومية تقليدية كما تضم انظمة صواريخ دفاعية وبذلك يتم الحد من مدى الاعتماد على السلطة النووية (42).