كتاب " العين الغائبة - الجبرتي والحملة الفرنسية عى مصر" ، تأليف عمر جاسم محمد ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب العين الغائبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
العين الغائبة
المقدمة
تنبع أهمية الكتاب من مثابات أساسية تضفي على الموضوع قيمة وريادة؛ وتحمل القارئ على التفكر في قضايا مهمة مرَّت بها الأمة العربية والإسلامية. ومثلت مرحلة خطيرة من مراحل تحولها السياسي والاجتماعي والفكري. ترتب عليه نتائج وتغيرات كثيرة كانت تستحق عناية مبكرة وتحليل معمق كي تنعكس نتائجها ايجابيا على الواقع المعاصر.
ويمكن إجمال هذه المثابات الأساسية بما يأتي:
1- يكشف الكتاب عن الاصطراع القيمي والفكري الذي حل بالمجتمع الإسلامي؛ متمثلا بالمجتمع المصري؛ إبان الاحتلال الفرنسي. حيث ترتب على ذلك الاحتلال أن واجه المجتمع الإسلامي ولأول مرة تحديا وتهديدا جعلاه يقف أمام نفسه وأحواله وجها لوجه. ولقد كانت مواجهة عسيرة وخطيرة في آن واحد؛ ذلك لأن الاختلاف العقائدي والفكري والثقافي شكل حافزا شديد الوطأة؛ نظرا لما حمَله من عنصر الاندهاش وهاجس الإحباط والاستفزاز معا. وذلك لأنه تأتى هذه المرة من أمم كان لها مواقف تاريخية محاط بصراعات عقائدية مع الأمة الإسلامية عبر قرون من الحروب الصليبية.
ما كان ذلك التحدي مجرد احتلال بل خرق لواقع كانت ألفته الأمة؛ وهي تعاني من احتلالات داخلية كثيرة، وانحطاطات سياسية واقتصادية وثقافية، لكنها لم تشكل استفزازا عقائديا ولا أخلاقيا؛ لأن مَن تسلط عليها كان يمثل ولو بصورة شكلية أو هامشية جانبا من روح الجامعة الإسلامية. فالمماليك أمراء مسلمون، والعثمانيون ملوك يستمدون مسوغاتهم الشرعية من فكرة الخلافة؛ بحسب الطرح الذي كانوا يطرحونه على الناس.
وهذا الحال من الاندهاش والانكسار لاشك أحدث حالة من الصراع الداخلي مراجعة الذات او على الأقل مقارنة الأحوال بالأحوال.
صحيح أن الأمة لم تكن تمتلك وقتها القدرة على التحليل المنظم والمقارن واستخلاص النتائج وتحديد المواقع إلا أن ذلك كله أحدث لديها رجة قوية ظهرت أثارها لاحقا على الصعيد الثقافي والإصلاح الديني والسياسي.
حاول الجبرتي من خلال كتابته التي عالجها الكاتب في هذا الكتاب تسجيل مشاهداته ورؤاه مع وصف للوقائع وسرد للأحداث تكشف لنا جانبا مما حدث وطبيعة ما حدث وسبب حدوثه او سبب عدم حدوثه.
2- وتأتي ريادة الجبرتي بعد قرون من الانقطاع في الابداع والكتابة التاريخية، إلا أنها ومهما كان منهجها وأهدافها وأسلوبها فهي تسجل لنا حدثا تاريخيا مهما.
حاول الكاتب في تحليلاته وضع الجبرتي في مساقين، المساق الأول يعبر عن قيمة فعل الكتابة التاريخية وطبيعتها آنذاك، ومدى مقاربتها او معارضتها مع الموروث السابق او مع ما سيرد لاحقا بعد الجبرتي بعقود. مبينا ما يكتنف منهج الجبرتي من ضعف وما لازمه من توفيق وما فاته من ملاحظات وضرورات تقتضيها الكتابة التاريخية.
2- يكشف منهج الكتاب عن تحليلات خطيرة تصور طبائع المجتمع المصري إبان الاحتلال بكل فئاته وانتماءاته ومستوياته. فضلا عن تحليل لسلوك المحتل ذاته وانعكاس تفعل الطرفين مع بعضهما البعض. وفضلا ذلك وقبله يكشف الكتاب عن طبيعة موقف رجال الدين من قضايا مهمة ذات مساس بصلب الدين الإسلامي، من مثل الحاكمية ومفهوم اللبرالية والنظام الجمهوري والولاء والثراء والمقاومة والإذعان.
ومع أن الكاتب لا يفصل تفصيلا في تحليل المواقف تلك وعرضها على طاولة النقد المباشر والتشريح الحر لكنه نجح إلى حد؛ كبير في إثارة الأسئلة التي سيجد القارئ إجابات عنها حين يتأمل طريقة طرحها ومعالجتها.
وإننا لنجد قصدية المؤلف واضحة في رمزياته عن المسكوت عنه في تلك الحوادث والأحوال، وما يعتريها الان من مواقف وتصورات وآراء، فوصفها وأعطى عليها أمثلة ليترك للقارئ ذاته تحديد المواقف واستنباط الأحكام فيها.
ومن ضمن الموضوعات المهمة التي طرحها الكتاب قضية التأثر العلمي والثقافي بالغازي؛ سواء التي حاول الغازي نفسه إحداثه في المجتمع المصري، او التي حدثت بحكم وقوع الحدث وفرض أحواله على الواقع آنذاك.
3- والكاتب إذ يستعرض مواقف العلماء والسياسيين من الاحتلال الفرنسي ويبين الاضطراب فيه فلكي يكشف حقيقة عن حالة الإرباك واختلاف المواقف من ذلك الحدث الكبير. وسيجد القارئ أن الجبرتي نفسه – وعلى وفق تحليلات الكاتب نفسه – قد تأثر بحالة الاضطراب والتذبذب في المواقف التي تسارعت الأحداث والظروف في رسمها على خارطة الواقع. إلا أن الكتاب يشير من طرائق غير مباشرة عن الأسباب الشخصية والموضوعية لذلك الاضطراب في التصور والمواقف التي عانى منها الجبرتي كما عانى منها الكثير من العلماء والسياسيين. والتي لا نجد من يرسم معالمها لنا سوى الجبرتي نفسه، مما يعزز قيمة كتابات لفرادتها ولسعتها النسبية.
4- إن مشكلة الآخر لدى الجبرتي اصطدمت بالكثير من القضايا منها عنصر المقارنة بين محتل متذبذب بين العدل والجور وبين الاستقامة والتحضر والفجور، وبين متسلط جثم على صدر المجتمعات الإسلامية وأشاع التشرذم والانقسام والظلم والتخلف والفقر.
ومشكلة الاخر من المشكلات التي ستفتح لاحقا أبوابا خطيرة كانت تحتاج إلى المزيد من المعالجات والقراءات والمواقف التي تفيد عملية الإصلاح والتواشج مع الآخر.
5- وليس من السهل في هذه المقدمة استعراض المنهج النقدي الذي طبقه الباحث بخصوص كتابات الجبرتي المتنوعة في التأريخ لفترة الاحتلال. لكنه على أية حال نجح إلى حد كبير في توثيق الزمني لتلك الكتابات من خلال التحليل النصي ومن خلال القراءة الداخلية للحدث، مع الاستعانة بما توافر لديه من مصادر أجنبية عززت مواقفه وتصوراته عن منهج الجبرتي وعن تطور مواقفه تجاه الأحداث.