كتاب " البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر " ، تأليف د. إبراهيم عبدالله البعول ، والذي
You are here
قراءة كتاب البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول : التشكيلات الموسيقية
تشتمل الأعمال الشعرية الكاملة لحيدر محمود على خمس وسبعين قصيدة موزعة على البحور الشعرية التالية:
البحر
عدد القصائد
النسبة المئوية
المتدارك
27
36%
الكامل
08
10.6%
الرمل
06
8%
الرجز
10
13%
المتقارب
06
8%
الوافر (مجزوء)
05
6.6%
الطويل
02
2.6%
البسيط
06
8%
الخفيف
01
1.3%
الرجز + الوافر
01
1.3%
الرجز + الرمل
01
1.3%
الرجز + المتدارك
01
1.3%
الكامل + الرجز
02
2.6%
المجموع
75
100%
إن الناظر في هذا الجدول يرى أن البحر المتدارك لا يضارعه بحر من بحور الشعر في نسبة الشيوع عند حيدر محمود، إذ يحتل نسبة 36% قياساً إلى غيره من بحور الشعر، وهذا يشكل انزياحاً واضحاً في استعمال هذا البحر قياساً إلى شيوعه عند العرب قديماً، فهذا البحر -كما هو قار عند الدراسين- لم يعرض له الخليل على الرغم من أنه من مشمولات الدائرة المتفقه التي أصلها البحر المتقارب. وبات هذا البحر منسوباً إلى الأخفش الذي تدارك به على الخليل من غير علم(1)، ولما كان الأمر بهذه الحال فإن شيوعه في الشعر العربي القديم نادر جداً، وهذا استرعى انتباه إبراهيم أنيس، إذ لاحظ أن أمثلة هذا البحر وشواهده تكاد تكون متحدة في كل كتب العروض، وهي أبيات منعزلة غير منسوبة لأصحابها وتبدو عليها الصنعة والتكلف، ولذلك لم يشر إبراهيم أنيس في دراسته، التي تكشف عن نسبة شيوع بحور الشعر في الاستعمال عند العرب، لم يشر إلى أي نسبة إطلاقاً لهذا البحر، وهذا يشير إلى أنه لم يكن شائعاً عند جمهور الشعراء حتى عهد مدرسة الأحياء(2) ، وترى نازك الملائكة أن العرب لم يستعملوا هذا الوزن إلا نادراً(3).
ويعلن إبراهيم أنيس أنه لا يعرف سر انصراف الشعراء عن هذا البحر على الرغم من انسجام موسيقاه وحسن وقعها في الآذان(4)، ويتميز هذا البحر بخفته وسرعة تلاقي أنغامه(5). ويكشف عبد الرضا علي عن سبب تجافي الشعراء القدماء له بأن "المتدارك في وزنه الشائع رتيباً ذا إيقاع يعتمد على توالي التفعيلة السليمة (فاعلن) على وفق رتابة المتقارب، باستثناء كونه يبدأ بالسبب الخفيف فإن الشعراء قديماً هجروه، لما فيه من سذاجة في الأداء هي أقرب إلى النثرية فيه إلى الشعر، وحين وجدوا أن الخبن في تفعيلته يحول هذا الوزن إلى تشكيل راقص (فَعِلن فَعِلن...) مالوا إليه وعولوا عليه"(6). ولعل هذا يضاف إلى ما أحدثه رواد حركة الشعر الحر من صور جديدة لتفعيلة (فاعلن) وفي مقدمتها (فاعِلُ) التي ادعت نازك بأنها هي أول من استخدم هذه الصورة وسوغتها لنفسها(7) فضلاً عن استغلال شعراء حركة الشعر الحر لمختلف الصور في القصيدة الواحدة وفي الحشو خاصة وذلك باستخدام التفعيلة الصحيحة فاعلن والمخبونة، والمخبونة المضمرة، فهذه الصور أسهمت كثيراً في تجويد هذا الوزن(8)، وجعله منسجماً موسيقياً، وحسّن وقعه في الآذان فزاد استخدامه عند شاعرنا، وغيره من الشعراء، إذ مال إليه الشعراء ابتداء من نازك والسياب وانتهاءاً بأصغر شاعر شاب ولا سيما بعد إباحتهم للقيض في حشوه الذي أنقذ الوزن من الرتابة وجعله قابلاً للتكوين والتنويع.
وإذا عدنا إلى القصائد التي بنى عليها شاعرنا شعره على البحر المتدارك عرفنا تلك الصور التي تشكلت منها قصائده ومدى التزامه وانحرافه عن المألوف، فقد استخدم الصور التالية في البحر المتدارك:
فاعلن - فَعِلن - فعْلن - فعِلان - فعْلان - فاعِلُ - فعْلاتان - فَعِلاتن - فَعِلُ - فعْلاتن
لن نوضح الآن ما جرى على تفعيلة (فاعلن) حتى غدت على هذه الصور إذ ما نبتغيه هو أن نكشف عن أن استخدام هذا الكم من الصور المختلفة والمستخدمة في البحر المتدارك يجعله حقيقة قابلاً للتكوين والتنويع وينقذه من الرتابة الموسيقية.
فهذه المسافة الممتدة أمام الشاعر من هذه التشكيلات المختلفة لم يقدمها أي بحر من بحور الشعر العربي للشاعر على صفة الإطلاق، ولا سيما إذا علمنا أن هذه التفعيلة تتشكل في الأصل من سبب خفيف ووتد مجموع فقط، في حين أي تفعيلة أخرى وذلك وفق صورها المعهودة ستكون فيها ضوابط أكثر من ضوابط هذه التفعيلة، وذلك إذا علمنا أنها تتشكل من أكثر من سبب ووتد، ولنأخذ مثالا على ذلك تفعيلة (مستفعلن) تلك التفعيلة التي يتشكل منها (بحر الرجز) مطية الشعراء، فهي تتشكل من (سبب خفيف + سبب خفيف + وتد مجموع) وبهذه التشكيلة تزداد نسبة الصعوبة لأنه يتطلب من الشاعر التعامل مع ثلاثة مقاطع، مقابل تعامله مع مقطعين في تفعيلة المتدارك.
يضاف إلى ذلك أن تعدد صور تفعيلة (فاعلن) بهذا الشكل فتح المجال واسعاً أمام الشاعر عند استحضار المفردات مهما اختلفت حركاتها، إذ يجد في هذه الصورة ما يمكن الشاعر من استخدام مفردة أو أكثر جاءت حروفها جميعاً متحركة، كأن تتوالى التفعيلات التالية في سطر واحد، وذلك نظرياً:
فاعِلُ / فَعِلُ / فَعِلُنْ
- ب ب/ ب ب ب/ ب ب -
فإذا جاء الشاعر بسطر شعري على النحو السابق، فهو موسيقياً صحيح وفق ما أتيح للشاعر حديثاً، وهذا يعني أن الشاعر إذا ما اصطدم بمفردة أو أكثر متحركة الحروف، وذلك في حدود حروف على ما يتضح من المثال فإنه يبقى في دائرة الوزن الصحيح، وهذا مما لا يبيحه أو يتيحه أي بحر من البحور الأخرى. وربما يكون هذا سبباً من أسباب لجوء شاعرنا إلى هذا البحر أكثر من غيره.
وإذا أضفنا إلى هذا وذاك أن الشاعر يختار الإطار الموسيقي الحر لقصائده التي تبيح له أن يجعل في السطر الواحد تفعيلة أو جزءاً من التفعيلة عرفنا مدى المساحة المتاحة أمامه، إذ يفتح ذلك أمام الشاعر تعدد احتمالات الاختيار وتوسعها. وأراني غير متجاوز الحد إذا قلت: إن المتدارك أصبح مطيَة الشعراء حديثاً، ولا سيما أن المتدارك والمتقارب يهيمنان في السنوات الأخيرة على معظم ما كتب ويكتب من شعر(9).
يأتي بحر الرجز في المرتبة الثانية في نسبة شيوعه عند شاعرنا، فقد بلغت 13% يضاف إليها ما يمكن أن يضاف من نسبة استخدام شاعرنا لبحرين في بناء بعض قصائده ولا سيما أن كل هذه القصائد كان بحر الرجز فيها حاضراً، وقد بلغت نسبتها 6.6%وهذا يرفع نسبة حضور بحر الرجز، ونكتفي بالإشارة إلى ما قرَّ في أذهان الدراسين من أن بحر الرجز قد سميَّ بمطية الشعراء لكثرة ما ركبوه نظماً ونوعوا في تشكيلاته الموسيقية.
ويقودنا الجدول السابق إلى الوقوف عند ظاهرة منحرفة أخرى، وهي قلة استخدام الشاعر للبحر الخفيف، إذ لم يرد في الأعمال الكاملة إلا قصيدة واحدة، وهي قصيدة عمودية بعنوان (صفحة من كتاب النخيل). ألقاها الشاعر في مهرجان المربد الثامن ببغداد في الثامن والعشرين من تشرين الثاني لعام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانين. وقد تقول لنا هذه المعلومة أن الشاعر يعتقد جازماً أن الحضور الحقيقي للشاعر في المحافل الأدبية الإبداعية لا يتحقق إلا بالأصالة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نسبة شيوع البحور المركبة عند الشاعر قليلة بشكل عام قياساً إلى البحور المفردة، إذ تبلغ 12% بشكلها العمودي وما جاء وفق الإطار الموسيقي للقصيدة الحرة، وهي نسبة متواضعة إذا علمنا أن نسبة البحور المركبة إلى البحور الصافية هي (25%-56%)، وأعتقد أن هذه الظاهرة ليست خاصة بشاعرنا دون غيره من الشعراء المعاصرين، فقد يكون ضمن المعدل العام لاستخدام شعراء حركة الشعر الحر للبحور المركبة.
ويميل شاعرنا إلى المزج بين بحرين في نظم قصائده على نحو ما يتضح من الجدول، إذ بلغت نسبة شيوع هذه الظاهرة عنده 6.6%، وهي ظاهرة متفشية عند شعراء حركة الشعر الحر على ما سنوضحه.
احتلت ثلاثة بحور فحسب 60% ونيف من استخدامات شاعرنا، وهي البحر المتدارك والبحر الكامل والبحر الرجز، وقد قلنا نيف، لأنه يمكن أن يضاف إلى هذه النسبة ما جاء في القصائد التي نظمت على بحرين إذ كان الرجز والكامل عامل مشترك فيها جميعاً.
ولكي ندرس معطيات الجدول السابق بشكل أكثر تفصيلاً، فإننا لا بد من دراسته تحت العنوانات التالية:
- الإطار الموسيقي للقصيدة.
- القصائد العمودية.