كتاب " البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر " ، تأليف د. إبراهيم عبدالله البعول ، والذي
You are here
قراءة كتاب البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قصائد جمع فيها بين وزنين
لعل العنوان السابق قد جاء في طيه ما يكشف عن أن شاعرنا كان قد استخدم الشكلين العمودي والحر في قصيدة واحدة، وأشار كذلك إلى أنه استخدم وزنين هما: الكامل والرجز، ولا غرابة في ذلك وبخاصة إذا كان الشاعر لا يعرف العروض؛ لأن وزن الرجز قد يتداخل موسيقياً مع وزن الكامل؛ فإذا دخل زحاف الإضمار على تفعيلات الكامل جميعاً غدا الرجز بعينه، فضلاً عن أن صور تفعيلة الكامل بما يعتورها من زحافات وعلل قد تلتقي مع صور تفعيلة الرجز، وبذلك يصبح التداخل بينهما قائماً، وعلماء العروض يمكنهم أن يميزوا بين البحرين بخصوصية كل بحر منهما، فخصوصية -مثلاً- البحر الكامل هو أن تأتي تفعيلة صحيحة (متَفاعلن ب ب - ب -) وخصوصية الرجز أن يدخل على تفعيلته الرئيسية زحاف الطي وهو حذف الرابع الساكن فتصبح (مستعلن - ب ب -) التي لا تأتي في الكامل إطلاقاً.
وهذا ما يؤكد أن شاعرنا أقام قصيدته على بحرين من بحور الشعر هما الكامل والرجز. ولعلّ هذه الظاهرة قديمة قدم الشعر العربي، فما كان قد أثير حول معلقة عبيد بن الأبرص يؤكد ذلك، فقد وصفها ابن رشيق بقوله: "كادت تكون كلاماً غير موزون بعلة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس إنها خطبة ارتجلها فاتزن له أكثرها"(29). ويقول قدامة بحقها:" فيها أبيات قد خرجت عن العروض البتة، وقبح ذلك جودة الشعر، حتى أصاره إلى حد الرديء منه"(30). بيد أن التبريزي يجعلها من المعلقات(31) وكذلك الزوزني(32)، وقد أكد الغذامي موسيقية هذه القصيدة وفسّر ما فيها من خلل موسيقي تفسيراً فنيّاً، فعدها من القصائد ممزوجة البحور، واستخرج منها سبعة أوزان مشيراً إلى قصدية الشاعر لهذا المزج(33)، ويرى لوثمان أن هذا المزج سمة عضوية في كل عمل فني إلى حد يمكن معه القول بأن هذا التراكب يعتبر القانون الأساسي في بنية كل نص أدبي(34) لأن هذا المزج يضفي توتراً على القصيدة ويدفع المتلقي إلى تشوق البحر السابق لأن النفس تسأم التكرار الرتيب وتتشوق إلى التغيير والتجديد، إذ إن مزج البحور يولد صراعاً بين النظام والوزن، وكسر النظام يكون بمزج أكثر من بحر(35).
لم يقف شاعرنا عند حدود هذين البحرين (الكامل والرجز)، فقد نظم غير ما قصيدة على بحرين آخرين، فقد جاءت قصيدته (الكتابة بالدم على نهر الأردن) على بحري الوافر والرمل، وبنيت قصيدته (الضفتان توأمان) على بحري الرجز والرمل، وأقيمت قصيدته (الكلمة) على بحري الرجز والمتدارك، إذ جاءت الأسطر الخمسة الأولى في القصيدة على بحر الرجز، ثم انتقل في المقطع الثاني أي الأسطر الإثنا عشرة التي تليها إلى البحر المتدارك، وقد كان الشاعر واعياً لذلك، إذ وضعها بين أقواس ليلفت نظر المتلقي إلى أن ثمة اختلافاً ما اعتور القصيدة هنا، وبعد أن أكمل المقطع عاد ثانية في الأسطر التالية له إلى بحر الرجز، وختم القصيدة بمقطع وضعه كذلك بين أقواس على البحر المتدارك.
ويكشف الجدول التالي التشكيلات الموسيقية التي استخدمها الشاعر من البحرين ونسبة شيوعها في القصيدة :
الرجـــــــــز
المتـــــــــدارك
التفعيلة
التكرار
النسبة
التفعيلة
التكرار
النسبة
مسْتفعلن
25
36.7
فعْلن
34
58.6
متَفعلن
18
26.4
فَعِلن
13
22.4
مسْتعِلن
05
7.3
فعْلان
02
3.4
فعولْ
07
10.2
فاعِلُ
05
8.6
فعو
05
7.3
فاعاتن
02
3.4
متفعلان
03
4.4
فاعاتان
02
3.4
فعْلان
01
1.4
فعْلن
01
1.4
فعِلن
01
1.4
فعولن
01
1.4
مسْتفعلان
01
1.4
68
58
يلاحظ أن ثمة اتفاقاً بين صور مستفعلن في بحر الرجز وصور فاعلن في البحر المتدارك من خلال الجدول السابق، فإذا جمعنا نسبة ظهور الصور المشتركة في البحر المتدارك مع بحر الرجز نجدها (51) صورة أي ما نسبته (88%) ، بمعنى أن التقارب بينهما في هذا المجال واسع جداً لكن الأمور لا تقاس بهذه العملية المجردة إذ إن مثل هذا القياس قد يفهم ألاّ فرق بين البحرين وهذا غير وارد، فالبحر المتدارك غير بحر الرجز في التشكيلات الموسيقية، فكما أن هذه النسبة عالية فإن نسبة تفرد بحر الرجز وتميزه عن المتدارك عالية أيضاً، ونسبة تفرد الرجز عن المتدارك هنا تزيد عن (95%)، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، وبيّن بوضوح أن الشاعر أقام قصيدته على بحرين مختلفين.