You are here

قراءة كتاب البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر

البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر

كتاب " البنية الإيقاعية في الشعر العربي المعاصر " ، تأليف د. إبراهيم عبدالله البعول ، والذي

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
ب. البحور المفردة
 
نظم شاعرنا غير ما قصيدة على البحور المفردة جاء بعضها وفق القصيدة الكلاسيكيّة، إذ جاءت قصيدة (وطني) على بحر الرّمل وفق الشّكل التّقليديّ، وكذلك قصيدة (هذا هو الأردن) المنظومة على البحر الكامل، وقصيدة (غزليَّة) المنظومة على البحر المتدارك، فقد جاءت هذه القصائد جميعاً رسماً وعروضاً وفق الشّكل التّقليدي للقصيدة.
 
وجاءت قصيدة (طه)، وقصيدة (نامي) على البحر الكامل، وقد رسمت هذه القصائد وفق الإطار الموسيقيّ للقصيدة الحرّة، على الرّغم من أنّ إعادة ترتيب أسطرها يؤكّد أنّها عموديّة، ولا سيّما أنّ الشّاعر التزم بالقافية الموحّدة، وكل شروط القافية المطلوبة وفق معايير العروضيّين.
 
ويبيّن الجدول التالي عدد القصائد العموديّة التي نظمها الشّاعر على الشّكل التّقليديّ، وشكل القصيدة الحرّة، سواء أكان ذلك على البحور المركّبة أو البحور المفردة.
 
جدول يبيّن عدد القصائد العموديّة
 
الرّقم
 
نوع البحر
 
عدد القصائد
 
النّسبة المئويّة
 
1
 
البحور المركّبة والشّكل التّقليديّ
 
3
 
4%
 
2
 
البحور المركّبة والشّكل الحر
 
6
 
8%
 
3
 
البحور المفردة والشّكل التّقليديّ
 
3
 
4%
 
4
 
البحور المفردة والشّكل الحر
 
2
 
2.6%
 
المجموع
 
14
 
18.6%
 
لنقف أوّلاً عند الملحظ الّذي يكشف عن استخدام الشّاعر للبحور المفردة في نظم قصائده وفق الإطار الموسيقيّ التّقليديّ وهو النّوع الثّالث، لنتساءل عن سبب إقامة الشّاعر قصائده في النوع الثالث على شكل القصيدة التّقليديّة على الرغم من أنّ السّاحة مفتوحة أمامه ليقيمها وفق الإطار الموسيقيّ الحرّ؟ ولا سيّما أنّ البحور الصّافية (المفردة) يسهل فيها ذلك.
 
وقد يسعفنا تاريخ نظم هذه القصائد في الإجابة عن هذا التّساؤل، إذ نظم الشّاعر قصيدة (وطني) وقصيدة (غزلية) في بداياته الشّعريّة وذلك عام 1962م - كما يشير الشّاعر إلى ذلك - فيما نظم قصيدة (هذا هو الأردن) في عام 1970م. وفي النظر إلى ما نظمه الشّاعر في مرحلة السّتّينات التي تشكل بداياته الشّعريّة نلحظ تركيزاً واضحاً على البحور الصّافية، إذ نظم اثنتي عشرة قصيدة فيما تشير تواريخها إلى ذلك، وكانت هذه القصائد جميعها على البحور الصافية، ويبتعد الشاعر عن البحور المركّبة، وربّما كانت السهولة في النظم على مثل هذه البحور هي التي أغرت الشّاعر بها، فنظم الشعر الحرّ بالبحور الصّافية أيسر على الشّاعر من نظمه على البحور الممزوجة، لأنّ وحدة التّفعيلة تضمن حريّة أكبر وموسيقى أيسر، فضلاً عن أنّها لا تتعب الشاعر في الالتفات إلى تفعيلة معيّنة لا بدّ من مجيئها منفردة في خاتمة كلّ شطر(11).
 
لقد نظم الشاعر في هذه المرحلة ثلاث قصائد على المتدارك، وثلاث قصائد على الرجز وثلاث قصائد على مجزوء الوافر، وقصيدتين على البحر الكامل، وقصيدة على الرّمل. كان من هذه القصائد ثلاث قصائد رُسمَت وفق الإطار الموسيقيّ التّقليديّ؛ أي بنسبة 25% من إنتاجه في هذه المرحلة وفق الإطار الموسيقيّ التّقليديّ، وإذا أضفنا إلى هذه النّسبة ما يمكن أن يتحصّل من قصائد ثلاث أخرى من هذه القصائد اشتملت على الإطارين التقليدي والحرّ، فإنّ نسبة ميل الشّاعر إلى الإطار التّقليديّ في هذه المرحلة -مرحلة التشكل- ترتفع أكثر من 25%، ويشير هذا إلى تعلّق الشّاعر بشكل القصيدة التّقليديّة وإطارها الموسيقيّ، ويميل كثيراً إلى الإطار الموسيقيّ للقصيدة الحرّة في محيط البحور الصّافية.
 
وبالعودة إلى النوعين الأول والثاني نقول -ابتداء- إننا لن نتوقف عند النوع الأول؛ البحور المركبة والشكل التقليدي، فقد جاءت هذه القصائد وفق ما استقر في الوعي، إذ تنسجم بكل معطياتها الموسيقية مع قواعد العروض الخليلية. بيد أنه يسترعي انتباهنا النوع الثاني؛ (البحور المركبة والشعر الحر)، إذ كان بإمكان الشاعر أن يرسم هذه القصائد وفق الإطار الموسيقي التقليدي إلا أنه أصر على رسمها في (الأعمال الكاملة) وفق الإطار الموسيقي للقصيدة الحرة، فما السبب في ذلك؟.
 
نقر ابتداءً أن البحور المركبة استعصت على شعراء حركة الشعر الحر في ما يتعلق بالإطار الموسيقي، وقد صرحت نازك الملائكة بذلك، إذ تقول: "أما البحور الأخرى التي لم يتعرض لها كالطويل والمديد والبسيط والمنسرح فهي لا تصلح للشعر الحر على الإطلاق؛ لأنها ذات تفعيلات منوعة لا تكرار فيها"(12). وعلى الرغم من هذا التصريح إلا أننا نجد بعض الشعراء من أقام قصائد على البحور المركبة وفق طريقة الشعر الحر كتابة وعروضاً، فقد نظم بدر شاكر السياب قصيدة على البحر البسيط، وهو من البحور المركبة محاولاً فيها أن يجعل إيقاعه ممكناً في الشعر الحر بعيداً عن ضوابط الخليل، فهو يقول في قصيدته(13):
 
نافــورة من ظلال مـــن أزاهــير
 
- - ب - / - ب - / - - ب - / - -
 
مستفعلــن / فاعلـن / مستفعلـن / فعْلن
 
ومن عصـافيــر
 
ب - ب - / - -
 
متـَـفْعِلن / فعْلن
 
جيكور، جيكـور، يا حقلاً من النّـــور
 
- - ب - / - ب -/ - - ب - / - -
 
مستفعلــن/ فاعـلن / مستفعـلن / فعْلن
 
ويبدو الإيقاع الجديد المخالف للتقاليد الخليلية بيناً في هذا اللون، إذ من المفروض وفق التقاليد الخليلية أن يشكل كل شطر أربع تفعيلات ليتم البناء، في حين نجد هنا السطر الأول يتشكل من أربع تفعيلات والسطر الثاني من تفعيلتين، في حين السطر الثالث يتشكل من أربع تفعيلات وهذه الصورة تخالف المعهود في رسم القصائد، وهكذا سار بدر شاكر السياب في بناء هذه القصيدة ليخرج عن المألوف في الشعر العمودي ويشكل بهذا النموذج انزياحاً موسيقياً، ولم نلحظ مثل هذا أو ما يشكل انزياحاً ما عند حيدر محمود في إطار البحور المركبة سوى ما اتضح لنا من الجدول السابق في القصائد العمودية (حرة)، إذ نظم الشاعر ثماني قصائد قد اتخذت شكل القصيدة الحرة رسماً، بيد أنه من الممكن إعادة ترتيب هذه القصائد شكلياً لتعود إلى صورة القصيدة العمودية شكلاً، وقد كانت هذه القصائد بين البحور المركبة والبحور الصافية، إذ نظم قصيدتين على البحر الكامل وهو من البحور الصافية، وقصيدتين على البحر الطويل وهو من البحور المركبة، وثلاث قصائد على البحر البسيط وهو مركب أيضاً وقصيدة على بحر الرجز.
 
لننظر إلى قصيدة (طه) كيف كتبها الشاعر بخط يده، وكيف يمكن إعادة ترتيبها لتلتقي مع شكل القصيدة العمودية، يقول(14):
 
أما فؤادي ..
 
فهو ليس بناسِ
 
لكن سهمكَ،
 
جارحٌ .. ومواس
 
طه
 
وتسري في عروقي رعشةٌ
 
تحيي عروقي
 
بعد طول يباس
 
أما صورتها العمودية فهي على النحو الآتي:
 
أما فؤادي فهو ليس بناسِ
 
لكن سهمك جارحٌ ومواس
 
طه، وتسري في عروقي رعشةٌ
 
تحيي عروقي بعد طول يباس
 
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن الشاعر يلتزم بالقافية ومعطياتها في هذه القصيدة، وهذا يؤكد عموديتها وإن كتبت على طريقة الشعر الحر خطاً. ولا بد أن نعترف أن الشاعر يتحرك نفسياً وفق الانفعالات النفسية المتحركة داخله، وقد تكون هذه الحركة تترجم بتفعيلة فيضعها في سطر، وقد تكون انفعالاته أو دفقاته الشعورية تتطلب لسعتها أكثر من ذلك، وبهذا تأتي بشكل طبيعي في أكثر من تفعيلة، ولعل هذا ميزة الشعر الحر شكلاً، إذ إن الكيان الفني للشعر المعاصر قائم في هذا التشكل الموسيقي الذي جعل من موسيقى الشعر ذبذبات تتحرك بها النفس لا مجموعة من الأصوات التي تروع الأذن(15).
 
والشاعر حين يترجم نفسه في القصيدة فإنما يعبر عن نفسه باختيار أكثر الأشكال الطبيعية تناسباً مع حالته الشعرية، وعندئذ يمكن أن يقال أن الشكل على الرغم من صورته المجردة إلا أنه يحمل دلالة شعرية عامة مبهمة، و يترك الكلمات بعد ذلك توضح الدلالة(16). ومن الطبيعي بعد أن قامت القصيدة الجديدة على أساس جمالي جديد أن يحدد الشعراء موقفهم من الوسائل التشكيلية الموسيقية القديمة وأبرزها الوزن والقافية، وكان لا بد من إدخال تعديلات جوهرية على هذين العنصرين حتى يمكن تحقيق الصورة الجديدة(17). ومثل هذا يمكنك وبسهولة أن تجده في قصائده التي نظمها على البحر الطويل والبحر البسيط ولا سيما أنهما مركبان، فانظر إليه يقول في قصيدة (هنا كان)(18):
 
هي القدس:
 
مفتاح السماء،
 
وبابها ......
 
ومنها،
 
إلى الرحمن ...
 
تفضي شعابها ....
 
حجارتها: للمؤمنين
 
قلائدٌ...
 
وكحل عيون المؤمنين
 
ترابها
 
..........
 
..........

Pages