كتاب " الإخوة الأعداء " ، تأليف نسيم ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب
You are here
قراءة كتاب الإخوة الأعداء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في الذاكرة الجمعية وبلسان العرب، ليس أجمل من الثورات المجيدة، ولا أقدر منها على إعلاء شأن المواطن وإحلال التآخي والمساواة. لقد أدمج، في هذا الباب، خليط من الأعمال المسلَّحة والفورات والانتفاضات والانقلابات، بهيج المحتوى والمراد، نقي من الشوائب، سامي الدوافع وحصين القيادة المنزَّهة عن الأخطاء. يحفل المنقول، رواية وتدويناً، بكمٍّ من البطولات والانتصارات، ملحمي البُنية، وردي الصورة، يحشوه خذلان الأجنبي الطامع وغلبة الخير على الشرّ في معادلة بسيطة طرفاها ملائكة مقابل شياطين.
بدءاً، يلفت المنقِّب، في وجه عام، ذلك الحيِّز المفرد للثورة العربية الكبرى، باعتبارها طليعة التحرّر الشامل في خضم الحرب العالمية الأولى. فباستثناء جبل لبنان، لم يعرف عن المشرق العربي إشغال السلطنة العثمانية بنزعة استقلالية صريحة، وان محدودة، واتخذت الحركات المحلية لوناً من منازعة الولاة والتمرّد على تعسّفهم تحت خيمة الراعي الأكبر، خليفة المسلمين. وغالباً ما رافقت الخروج على طاعة الباشوات مناشدة الآستانة حفاظاً على المصالح العليا، و توكيد الخضوع للإرادة السنية، خشية الظن بالأعيان المناوئين لعمال السلطنة، وإلصاق تهمة الإنسلاخ عن المركز بهم. في هذا المجال، يجدر التوقف عند مقاربة مسألة حاكمية مصر من أسرة محمد علي، حسب الأدبيات المعروفة، والحذر البادي من الدعوة إلى استقلال مصر عن السلطنة آنذاك، والذي انسحب على حملة إبراهيم باشا، وتهديده الإمبراطورية. حتى إن مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري للاحتلال الفرنسي، إنما صوّرت في إطار التصدِّي للأجنبي، العامل على تقطيع أوصال دولة الخلافة والنيل من دار السلام، عوض تظهير طابعها الوطني الخاص بالجزائر ككيان يصبو إلى الانعتاق من كل وصاية واستتباع (*) ويمكن الزعم بصدقية ونزاهة أن فكرة الفكاك عن الحاضنة العثمانية لم تراود أهل الأقطار العربية الخاضعة للحكم التركي، إلاّ على مشارف الحرب العالمية الأولى، إثر جنوح عصبة تركيا الفتاة نحو الطورانية والتتريك القسري، ومسِّها بموقع السلطان ومكانته. أي إن الوعي القومي العربي استيقظ بعد حوالي أربعة قرون من التمدد العثماني، وجاء متأخراً في مقياس عصر القوميات. لذلك، ثمة مبالغة رومانسية حيال الدعوة النهضوية التي أطلقها طليعيون، مسيحيون في معظمهم من بلاد الشام، وأثرها المباشر بين النخب الإدارية والعسكرية التي انتظمت في جمعيات وارتبطت بوشائج خلال قيامها بوظائف رسمية بتكليف من الباب العالي أو بخدمة ضمن وحدات الجيش النظامي العثماني. الحال، كما يُشير سير الأحداث، أنها التحقت بحركة الشريف حسين ولبَّت النداء قبيل انهيار السلطنة، بعدما بان ضعفها العسكري وتراجعت جيوشها على الجبهات كافة تحت ضغط الحلفاء. يضاف إلى ما تقدم انبعاث الثورة الشريفية بمؤازرة المكتب العربي(البريطاني) في القاهرة، خلاصة إعداد دؤوب قام به رحّالة، وترتيبات أشرف عليها ضباط مستشرقون بعناية جهاز المخابرات البريطاني العامل في المنطقة. ولا يُستهان، في تهيئة المناخات، بالدور الذي لعبته الإرساليات الأجنبية على مدار نصف قرن، وحفّزت خلاله معطى المواطنة، والعروبة، وأكملت سياق التحديث البطيء الناجم عن التنظيمات، والنابع من الشروط المفروضة على السلطنة في الداخل، التي زاوجت بين حاجات الإصلاح وطبعة منقحة من نظام الامتيازات. بعد ذلك، يُستفاد من قراءة التاريخ بالمنظار العربي، إنكار للوقائع وتضخيم للمجريات كأنما اتفاقية سايكس-بيكو سوَّغت لاجتهاد ملحمي استقرّ على إجهاضها ثورة شاملة كاملة الأوصاف وتقويض مفاعيلها، وبالتالي حرمانها المشرق العربي نعمة التوحّد والمنعة. في الموازاة، بخَّس الفكر القومي الحقبة الدستورية الوليدة في الكيانات السياسية التي أنجبها تشظِّي الممتلكات السلطانية، واعتبرها، بعد هزيمة الجيوش العربية وفشلها من إنقاذ فلسطين، عاهة حطّت من قدر شعب ممزق وشلّت فاعليته، إذ أودعت مصائره نظم قطرية متخاذلة تلهّت باقتسام الغنائم وبمسايرة المستعمر، ومنعته من تحقيق إرادته وتوقه إلى الوحدة المفقودة، ضمان وجوده، ومحرك صعوده نحو القمة ومكانته بين الأمم.