You are here

قراءة كتاب الإخوة الأعداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإخوة الأعداء

الإخوة الأعداء

كتاب " الإخوة الأعداء " ، تأليف نسيم ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

بيْدَ أنّ نقلة نوعية بارزة وسمت أيضاً المجال السياسي، قوامها القطع مع ممارسات دهرية دأب عليها الولاة والمتسلمون زمن الباب العالي، وأتقنها جمال باشا السّفّاح، توسّلت العنف الدموي والاقتصاص الجسدي من المخالفين لمجرّد الشك في الولاء والابتزاز والمكائد المحاكة. تبعاً لهذه الأصول، قام تنافس محدود، محكوم السقف بمرجعية الوصاية، أفضى إلى تشكيلات قابلة للاختراق والتكيّف الانتهازي، هيمنت على الساحة السياسية والبرلمانات، وأفرطت في إشاعة الزبائنية رافعة للديمومة واقتناصاً للمواقع.

على مصطلح الدقة، ما غابت المقاولة السياسية والنميمة لحظة، سوى أن مفاعيلهما لن تمهِّد لنهج الاغتيالات وتتجاوب مع منطق الاستبداد البغيض الذي ولَّى وظُنّ أنه دفن مع عهد بني عثمان.

*** الأصل في مصادر العنفوتفشِّي الداء في الأنظمة "التقدّمية"

أسقط مصطفى كمال أتاتورك خلافة بني عثمان منهياً مرجعية دينية اعتاد العرب والأعاجم حضورها، ولو الشكلي، عبر ثلاثة عشر قرناً، من أندونيسيا وإقليم شين كيانغ الصيني مروراً بالقفقاز إلى قلب أفريقيا وضفاف الأطلسي، مع جيب أوروبي بلقاني، تركة الفتوحات التركية واستيطان حامياتها في البوسنة وإلبانيا، بلاد البشناق والأرناؤوط. في الحقيقة، قلَّصت روسيا القيصرية رقعة نفوذ خليفة المسلمين بدءاً من منتصف القرن الثامن عشر، وسيطرت على طريق الحرير في آسيا الوسطى، قبل الإطاحة بخانات التتار، سند السلطنة، تشدّهم إليها رابطة الدين. والمحصلة خضوع القوس الآسيوي وراء جبال الأورال للتاج الروسي في محاذاة التاج البريطاني القابض على جنوب آسيا لغاية الهند الصينية. سيكون لهذه المعطيات التاريخية مجتمعة أثر بالغ لاحقاً على بروز الحركات الإسلامية الجهادية واتصال دعوتها بمرحلتين متعاقبتين، تصفية الاستعمار (البريطاني/الفرنسي تحديداً بكافة أشكاله) أولاً، وتمزّق الاتحاد السوفياتي ثانياً على مشارف الألفية الثالثة.

من مصر التي افتقدت زعيمها سعد زغلول، خرج حسن البنّا بجمعية الإخوان المسلمين على هامش الحركة الدستورية الباحثة في مختصر السيادة بين القصر والإنكليز وسط تأييد شعبي أضعفته المساومة والعثرات. قبل ذلك، ومن دار السلطنة العثمانية المتهاوية، طرح الأفغاني صيغة الجامعة الإسلامية علاجاً لاستعادة العافية، استلهم محمد عبده ورشيد رضا بعض مركّباته. زُرعت بذور استنهاض أمة المسلمين، فيما انشغل الجناح المدني المتمثل بنخب الحركات الوطنية في كيفية انتزاع استقلال كل بلد على حدة ضمن إطار كياني سياسي ذي هوية وشرعية مصدرها الشعب. كذلك أذعنت أسرة القاجار، حاكمة بلاد فارس، لإصلاح محدود انتهى بمشروطة (دستور) أعطت طهران بموجبه مجتهدي الشيعة حق الرقابة على الشأن العام عام 1906، بناءً على تقليد فقهي رافض للإمساك بالسلطة الزمنية في غياب المهدي.

بعد عقدين، عُزل آخر القاجاريين، لكن الجنرال رضا البهلوي القادم إلى السلطة على أنقاض دولة قروسطية البنى سوف يتمثل بأتاتورك، ويسلخ عن رجال الدين صلاحية القضاء والتعليم. وقريباً من فارس التي غدت إيران، نادى أبو الأعلى المودودي، الهندي المنشأ والنسب، بانفصال المسلمين عن الهندوس، توطئة لوحدة الأمة على أساس ديني لا عرقي، لأن الأصل في الانتماء إلى دار الإسلام، وتشدّد في مبدأي الحاكمية والجاهلية، يجاريه أبو الحسن الندوي، ناشراً كتابه المرجعي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" (1944).

أخذت الدعوات الإحيائية تحاكي الذاكرة، مثالها عهد ذهبي مضى، في انتظار توافر شروط القيامة، المفقودة آنذاك. وحيث أخمدت الحرب العالمية الثانية الحراك الموضعي، فقد تلتها أحداث جسام ثلاثة بالتتابع وبفاصل سنوات، بدَّلت اللوحة العامة، وهزّت المشاعر من الأعماق. قامت باكستان بقيادة محمد علي جناح دولة على دين الإسلام، مكسورة الجناح في جامو وكشمير، وسقط معظم فلسطين بأيدي الصهاينة على مذهب اليهود، ثم انطلقت الثورة الجزائرية عام 1954 باسم من عرّفهم المستوطنون بالمسلمين لا بالجزائريين. مذذاك ربطت نزاعات عديدة تمحورت حول الهوية جرّاء مظالم الغرب الاستعماري، ثأرية الشحنة، سرعان ما ارتابت من الولايات المتحدة وناصبتها العِداء بوصفها قاطرة استعمار جديد، وأجازت انتهاز المدد والدعم من القطب الآخر، السوفياتي، على سبيل إباحة الضرورات للمحظورات، واستثمار العداء المشترك للإمبريالية. فقد نفر دعاة الصحوة الإسلامية بالسليقة من محمول الشيوعية المادية، المكروه شرعاً والملتصق بالأممية، وانفضت عنهم نسبياً وبخفر الحركة القومية العربية الصاعدة مع الناصرية، عمودها الفقري، والمتناسلة فروعاً بعثية وعروبية ممركسة ومشتقات. ولئن حظيت الولايات المتحدة بادئاً بفترة سماح، رصيد أفكار ويلسون ومواقف روزفلت، انقلب الأمر حيالها، مع مشاريع جون فوستر دالس، ورفض البنك الدولي تمويل مشروع السدّ العالي بإيعاز من واشنطن. بدوره، كسب الاتحاد السوفياتي ودّ شعوب الشرق في مرحلة أولى، تميزت بعمق خصامهم مع إمبراطورية لا تغيب الشمس عنها، وإيجابية أتاتورك ورضا شاه تجاه الثورة اللينينية البلشفية التي بادرت أيضاً إلى قرع باب آل سعود. ومن منتصف الخمسينات، عمل السوفيات على إزالة رواسب الاعتراف بإسرائيل، بعد أن انتصروا للناصرية وحركة التحرر العربية، وأغدقوا المساعدات على الأنظمة التقدمية المناوئة للدولة العبرية وللأحلاف.

امتصت الحقبة الدستورية منسوب التطرّف الديني، كما استوعبت معانقة أوساط ناقمة على الإنكليز (والفرنسيين) للنازيّة عشية الحرب، والرهان على الماريشال رومل لدحر مونتغمري وأعوانه في أفريقيا الصحراوية. كانت حركة رشيد عالي الكيلاني ورفاقه الضباط في العراق أبرز مظاهر التمرّد، وتمّ إخمادها بالقوة، فيما رفض المفتي أمين الحسيني الكتاب الأبيض واستمرّ على مغازلة ألمانيا النازية رمزاً للإسلام الجهادي الرسمي بعد فشل ثورة 1936 ومقتل ركنها الشيخ عز الدين القسَّام.

بعيد حرب ضروس حطّت أوزارها عام 1945، ذبل التعاطف مع المهزومين، ولاحت بوادر الاغتيال السياسي كأسلوب بائس لجأ إليه الإخوان المسلمون، فاتحة توسّل العنف سبيلاً إلى تغيير المعادلة القائمة، بينما انفجر الصراع المهووس في الهند، مخلّفاً عشرات آلاف القتلى، تبارى من خلاله غلاة المسلمين والهندوس تحت راية الدين. في الفضاء العربي، جاءت عناقيد الغضب مغايرة، إثر ضياع فلسطين على يد الهيئة العربية العليا بقيادة مفتي الديار، وفشل الجيوش العربية مجتمعة في إنقاذ الوطن السليب، إذ أنجبت السخط على المتخاذلين (والمتآمرين)، وهيأت لنمط قادر على غسل عار الهزيمة، قوامه منظومة تتكىء على الرافعة القومية وتطيح بأنظمة الهزيمة، وأداته من صلب المتطلعين إلى الوحدة ونبذ التبعية، حاملي الفكر الثوري التحرّري في خلايا حزبية وعسكرية سرّية تؤمن بالعروة الوثقى. وعلى وجه المقارنة، يمكن إيجاد رابط مسلكي بين هؤلاء القادمين إلى واجهة الأحداث وأولئك الذين انبروا من قبلهم، عسكريين ومدنيين، في منظمة العهد والجمعيات السرية، للدفاع عن الشرف العربي، وحلموا بدولة جامعة تعيد الأمجاد.

وعدٌ بأحرف عربية ترك العباءة الدينية للمناسبات، وثأر نودي به، وقف عند عتبات إسرائيل من كل صوب. تدحرجت تيجان وهوت عروش ورئاسات على رجاء قفزة نوعية، وختمت عقدين هزيمة مدوِّية جديدة غابت عنها دسائس السفارات، وحفظ ماء الوجه فيها الفيلق العربي المعاد تسميته جيشاً أردنياً موالياً للعاهل المستضعف. ثم تبدّلت الأحوال، وكفلت المقاومة الفلسطينية المراد الشعبي إلى حين غياب عبد الناصر وجلائها عن الأردن غداة أيلول الأسود، تظنّ بالأنظمة التقدمية وترفع شعار الحرب الشغبية بديلاً. إلاّ أن جبهتي مصر وسوريا اشتعلتا عام 1973، خلافاً للمتوقع من القيادة المصرية المعقودة اللواء لأنور السادات، الرئيس المؤمن العامل على تصفية مواقع النفوذ ذوات الصبغة الناصرية، ومطارد اليسار.

Pages