You are here

قراءة كتاب الخطاب الصوفي بين التأول والتأويل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخطاب الصوفي بين التأول والتأويل

الخطاب الصوفي بين التأول والتأويل

كتاب " الخطاب الصوفي بين التأول والتأويل " ، تأليف د. محمد المصطفى عزام ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

أ- وهم التجريد

يتجلى هذا الوهم في كون الدراسات العلمية التي اشتغلت بالتأريخ للتصوف ودخلت في التحليل لخطابه أو تولت التنظير لمضمونه، لم يجد أصحابها لزاماً عليهم أن يخوضوا غمار التجربة الفعلية التي يركبها الصوفي، بحجة أن عملهم لا يستلزم إلا استيفاء المقتضيات النظرية التي توجب الانفصال والانقطاع عن الموضوع المدروس، فإذا كانت هذه الحجة قد تــُسلًّم لهؤلاء في المجالات التي جمدت فيها الحياة، فضلاً عن جمود الروح، فإنها لاتسلُّم لهم في مجال يتدفق حيوية ويفور روحانية، مثل مجال التربة الصوفية، فلا تعرف دراساتهم النظرية في هذه التجربة الثرية الفياضة إلا القشور، أما اللب، فلا تجد رائحته ولا تذوق طعمه، فضلاً عن أن بعض الدارسين يقع في أمحل المحالات، إذ إنهم يقرون بامتناع هذه التجربة الحية على الصياغة النظرية مع بقائهم على التوسل بهذه الصياغة المجردة في طلب الكشف عن الحقيقة الروحية لهذه التجربة.

ب- وهم التزييف

يتجلى في كون بعض الإنتاجات الأدبية التي أخذت تسطو على التراث الصوفي وتخطف منه القبسات تلو القبسات، إحساساً بجمال مبانيه الذي لا يضاهى، وبجلال معانيه الذي لا يسامى، أبى أصحابها أن يكلفوا انفسهم عناء الدخول في التجربة الروحية التي أثمرت هذه القبسات والإشراقات واقعين بذلك في أشنع التناقضات إذ إنهم يدعون طلب الصدق في التجربة الإبداعية التي يخوضون مع بقائهم على رفض التحقق الفعلي بما يغتصبون من رقائق العارفين وحقائقهم. ولو أنهم صدقوا حق الصدق في تجربتهم الإبداعية، لعلموا أن مايجدونه في نفوسهم من شعور جمالي لا صلة له إطلاقاً بالشعور الجمالي الذي ولَّد هذه الإشارات المختطفة واللطائف المغتصبة، فشعورهم الجمالي هو، على الحقيقة، إحساس جسدي مغرق في الهوى، إحساس يبقى دون طور العقل، بينما الشعور الجمالي عند الصوفية هو وجدان روحي مشرق بالمجاهدة، وجدان لابد أن يعلو على طور العقل، وشتان بين جمال هو دون العقل وجمال فوق العقل، فالأول ينزل بالإنسان إلى درك البهبمية، والثاني يرفعه إلى أفق الملائكية، فإذا تجرأ المتأدب وتكلف الجمع في إنتاجه بين لمسات الجمال الحسي وقبسات الجمال الروحي، فهو كمن يجمع بين النقيضين، جاعلاً بذلك من هذا الإنتاج عملاً بلغ النهاية في الزيف والتزييف.

وإذا صح أن الكتابة الصوفية الحديثة كتابة واهمة، وأن هذا الوهم إما أن يكون وهما تجريديا كما هو الشأن في الكتابة الصوفية العلمية، أو وهما تزييفيا كما هو الأمر بالنسبة للكتابة الصوفية الأدبية، صح معه أننا نحتاج إلى صرف هذا الوهم المزدوج حتى تصفو لنا الكتابة الصوفية الحقيقية، وهذا بالذات ما استهدفه الأستاذ محمد المصطفى عزام في كتابه الذي بين أيدينا، فقد أراد إعادة الكتابة الصوفية إلى صلتها بالأسباب العملية والتجريبية، فانطلق في مشروعه التحديدي للكتابة الصوفية من مبدأين أساسين: أحدهما، أن العلم بالتصوف لايقوم بدون عمل. والثاني، أن المعنى الصوفي لا يحصل بغير تحقق.

المبدأ الأول القاضي بارتباط الدرس الصوفي بالعمل: أوجب هذا المبدأ على الكاتب أن ينخرط في سلك التربية الروحية ويتخذ له أستاذاً مربياً يلزمه بوظائف مخصوصة وأعمال مرسومة، فيجلس إليه متلقياً منه الإشارات ومسترقاً إليه النظرات، كما يجلس إلى الذاكرين في حلقهم، مستجلباً لأحوالهم ومستمتعاً بأذواقهم، حتى حصّل من العمل ما يجعل كلامه في التصوف كلام من هو على بينة من الأمر، أو قل كلاماً مسدداً لا كلاماً مجرداً كما نعهده في الكتابة الصوفية العلمية، ولاعجب أن يرد هذا الكتاب مفهوم "التأويل" إلى أصله العملي، فيسميه بـ "التأوّل" ويعرف لنا التأول بأنه «هو التطبيق العملي لأوامر الشرع، عملاً بالأركان أو ذكراً باللسان». فأين من هذا التعريف المجرد الذي كان لاصقاً بالتأويل وما زال وهو أنه النظر الاعتباري في الأحكام الشرعية الذي يخرجها من ظاهرهاً إلى معان خفية فيها.

المبدأ الثاني القاضي بارتباط المعنى الصوفي بالتحقق: أوجب هذا المبدأ على الكاتب أن يعمل وينسى أنه يعمل، بمعنى أن يجاوز مرتبة الدخول في العمل إلى مرتبة الاشتغال بتطهير النفس من التعلقات بما فيها التعلق بالأعمال التي يأتيها، لأن هذا التطهير هو وحده الضامن لتحصيل أسباب صحة القصد وتمام الحضور في الأفعال والأقوال، حتى حصل من طهارة النفس ما يجعل كلامه في التصوف صادقاً لا كلاماً زائفاً كما نعهده في الكتابة الصوفية الأدبية، فلا يكفي في تحصيل الكتابة الصوفية الأدبية الصادقة مجرد الدخول في العمل كما هو الشأن في الكتابة الصوفية العلمية، بل يحتاج صاحبها إلى التجرد من التعلق بهذا العمل حتى تنعكس ثماره في الوجدان نقية لا يشوبها ميل وصافية لا يكدرها هوى؛ ولا بدع إذ ذاك أن نجد الأستاذ محمد المصطفى عزام يثبت إلى جانب "التأوّل" الذي هو التطبيق العملي للشرع، فتكون المعاني الصوفية هي ثمرات التحقق بالعمل.

وبإيجاز فإن المؤلف قد وضع لنا أصول الكتابة الصوفية الصحيحة، فجمع فيها بين ما يجب استيفاؤه في الكتابة الصوفية العملية وهو الدخول في العمل، وبين ما يجب استيفاؤه في الكتابة الصوفية الأدبية وهو تطهير النفس، فجاءت مقاربته للخطاب الصوفي مسددة بالعمل ومؤيدة بالصدق.

Pages