رواية " سأقذف نفسي أمامك " ، تأليف ديهية لويز ، والتي صدرت عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجوا
You are here
قراءة كتاب سأقذف نفسي أمامك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وكلما زاد عنادي بالنسيان، أتت الذاكرة أقوى من أي وقت مضى. يذكرني هذا بقصة يهودي بولوني بعث بابنه إلى عاصمة البلاد ليدرس الفيزياء والكيمياء، وقد أنفق في تعليمه مالاً كثيرًا. وبعد انتهاء تعليمه وحصوله على شهادته، عاد الابن إلى أبيه الذي أصبح فخورًا به ليقول له: "لقد أنفقت في تعليمك الشيء الكثير، ولابد أنك تعلمت في الجامعة كيف تصنع لي ذهبًا". تنهد الابن وقال: "خذ هذا الخليط من الإسمنت والرمل وقطعة الخشب وحرّكه خلال ثلاث ساعات، خلال هذه الفترة إن لم تفكر مرة واحدة في التماسيح، فإنك ستجد بقاع الإناء ذهبًا. بعد نصف ساعة ترك الرجل عمله قائلاً: "أنا في الأيام العادية لا أفكر أبدًا في التماسيح، الآن لا أفكر إلا فيها".
أفقت على صوت الباب وضجيج في الغرفة المجاورة لغرفة نومي. كنت أعرف أنه هو، فلا أحد غيره يدخل في الثانية صباحًا ليزعج الجميع؛ لأنه لا يرى الطريق إلى سريره من كثرة ما شرب. ألقيت بجسدي من السرير وذهبت إليه أساعده؛ كي لا أوقظ أخي نسيم، فقد كان يومه مرهقًا، وليتني فقط لم أتحرك من مكاني..
اتجهت إليه، وجدته على الأرض يستمتع ببرودتها في عزّ الشتاء، لم يكن عاجزًا عن النهوض، لكنه يتكاسل بفعل الخمر الذي أذهب عقله.
- أنت بخير؟
- مريم.. تعالي وساعديني.
أمسكت بذراعه واتكأ عليّ ليقف أخيرًا على قدميه، لكنه تمايل وأخذني معه، ليلتصق ظهري بالجدار وجسده يقارب جسدي. كانت أنفاسه مع رائحة البيرة تلفح وجهي. ظللت لحظة مسمرة بتلك الوضعية أنتظر أن يبتعد عني، لكن بدل ذلك ترك ذراعه تحيط بخصري بهدوء، قبل أن يجذبني إليه بقوة تكاد تكسر عظامي، وضع شفتيه على فمي ورائحته تخنقني، يده كانت تتسلل في جسدي لتبعث فيه رعشة لم أعرفها قبل تلك اللحظة.
طالت قبلته وهو يتلذذ باحتواء جسدي النحيل بين ذراعيه، للحظة نسيت الرائحة ورحت أستمتع باكتشافي لسحر لم أعرفه، قبل أن تعود إليّ صورة تجعلني أدفعه بكل قوتي وأفلتُ من ذراعيه، ثم أدخل إلى غرفتي وأغلق الباب بالمفتاح قبل أن يقتفي أثري.
دخلت إلى فراشي أتشبث بالغطاء الصوفي، وكأنني عائدة من معركة خاسرة ضد شخص لم يكن في موقع حرب. كانت قدماي ترتجفان من الخوف، وقلبـي ينبض بسرعة وكأنه يحاول الخروج من صدري.
ما الذي حدث؟ ماذا فعل؟ أكان الخمر السبب في أنه لم يعرف أنني ابنته؟ أم إن غبائي بالخروج من غرفتي كان السبب في ذلك؟ ما الذي كان سيحدث لو بقيت بأسر ذراعيه؟ كيف سمحت لنفسي أن أشعر بالمتعة في قبلته ولمساته؟ كيف نسيت أنه أبـي؟!
لكني حينها لم أعرف ماذا كانت تعني قبلة ولمسة، كنت في التاسعة عشرة من عمري ولم يلمسني رجل قبل تلك اللحظة، لم أشعر أبدًا بتلك الرعشة التي سرت في جسدي، فهل كان ذنبـي أن أعرف معنى كلّ ذلك مع رجل كان والدي؟ مَن كان عليه في النهاية أن يدرك أنّ ما كان يفعله ليس صوابًا؟ لكن ماذا يفعل إن كان الخمر قد احتسى كلّ إدراكه؟
كنت ألتف بغطائي ليس من البرد فقط، لكن من الخوف أيضًا، شعرت بخطواته متثاقلة أمام الباب لحظة، قبل أن يدخل إلى غرفته ويرمي بثقل جسده على السرير غير آبه بالمرأة المنهكة المستلقية عليه.
عادت الأفكار والأحاسيس تتصارع بداخلي دون أن ينهزم طرف معيّن. لا أسترجع تلك الرعشة في جسدي، حتى يأتي صوت آخر يذكرني أن ما حدث كان خطأ، وكل منّا يتحمل جزءًا من المسؤولية. لكن أية مسؤولية كانت تقع عليّ إن كنت لم أنهض من مكاني إلا بحسن نيّة؟ وكيف لي أن أعرف حينها ما كان الخمر قادرًا على إحداثه؟
لم أستطع النوم ليلتها من ترقب باب غرفتي، ومن الأفكار التي كانت تخوض معركة بداخلي لا نهاية لها. في الصباح أيقظت أخي نسيم باكرًا على غير العادة لأصطحبه معي إلى المدرسة. كنت أريد الخروج من المنـزل قبل أن يستيقظ والدي، لكن صراخه سبقني.
- ألا تسمعين يا امرأة؟ أين القهوة؟
- إنها على الطاولة في المطبخ، انهض واشربها هناك.