رواية " سأقذف نفسي أمامك " ، تأليف ديهية لويز ، والتي صدرت عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجوا
You are here
قراءة كتاب سأقذف نفسي أمامك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- لا تخافي مريم.. هذا أنا.
- ماذا تريد؟
لوهلة تحوّل إلى رجل غريب بالنسبة لي، رجل تحركه الغريزة فلم يبق له من الإدراك ما يميّز به من أكون.. كانت عيناه ناعستين، يفتحهما بصعوبة، يرمقني بنظرات مخيفة. أنظر حولي علّني أجد مخرجًا، لكني اصطدمت بوجه نسيم الذي أيقظه صراخي، هرعت إليه أحتويه بين ذراعي لأطمئنه، لكن الحقيقة أني كنت أتخذه كخط دفاع بيني وبين ذلك الرجل الذي أرعبني، كنت أطَمْئِن نفسي عبره..
وأنا أنظر في عينيه، لا أرى سوى تلك النظرة الغامضة التي لم أكن أفهمها قبل ذلك اليوم. كان وجهه مثل لوحة متداخلة الألوان، لوحة لا يعرف صاحبها معناها، ولا لماذا رسمها ورماها في تلك البقعة من العالم.
شعرت بنسيم يرتجف بين ذراعي. ماذا أفعل؟ ماذا سيفعل؟ هل آخذ نسيم وأخرج؟ هل أبقى علّه يذهب وينسى الأمر؟ لا بدّ أن ذلك ما سيحدث، أعلم أنّه يحبّ نسيم كثيرًا ولن يفعل شيئًا. سأبقى وكفى، إنها مجرّد وساوس عقل مرهق من التفكير في أحداث رواية، عقل لم يسترجع تمامًا وعيه من إغفاءة كانت تجتاحه قبل لحظات. لكن صوته جاء ليهدّم الفكرة الجميلة التي وصلت إليها بعد جهد طويل..
- أريدكِ.. أنتِ فقط.
اقترب من السرير، انتشل نسيم من بين ذراعي وأبعده عني. بقيت مجمّدة لا أستوعب ما يحدث وما يمكن أن يحدث..
كنت دائمًا أتساءل ما إذا حملتُ رجليّ المتعبتين حينها وخرجت من المنـزل، هل كان سيتغير شيء؟ هل كان نسيم لينجو من الكابوس الذي وضع حدًّا لأفكاره البريئة إلى الأبد؟ ذلك هو الاحتمال الذي لا يمكن أن يحدث، وقد مضى من الزمن ما يكفي حتى لا يتغير شيء من خطوط الواقع الكئيب.
هذا عيب الكتابة إذن، ها أنا أكتشف عيبها قبل أن تتمّ فرحتي باكتشاف سحرها قبل لحظات. عيبُها أنها تضع لي احتمالات أخرى كان يمكن أن تكون لو.. هذه الكلمة المستفزة "لو".. لو أني من وضع قاموس اللّغة العربية لما كانت فيه، لكن ماذا أفعل إن كنت قد بدأت جملتي بهذه الكلمة بالتحديد؟!
في النهاية، الكلمات ليست سوى جسر نعبّر به عن كل ما يحمله القلب من كدمات أو مسرات؛ لنصل عبره إلى نقطة مبهمة لا نفهمها، ولا نعرف كيف وصلت بنا الجرأة لنتجاوز كلّ ذلك الكمّ الهائل من العواطف في كلمات!!
في طفولتي، كانت أمي تقول لي دائمًا إني أكثِر من طرح الأسئلة، لأني أريد أن أفهم كل شيء. لكن عليّ أن أقتنع في النهاية أن هناك أمورًا في الحياة لا يمكن فهمها، مهما طرحنا من الأسئلة الذكية أو الساذجة. ثم مع الوقت تأكدت لي حقيقة أخرى: أن الإنسان الذي لا يسعى وراء معرفة كثيرة في الحياة يكون سعيدًا، بينما الشقاء يلازم العلماء والمفكرين لأنهم يعرفون أكثر ممّا ينبغي، ما يجعلهم يبحثون دائمًا عن التالي.
بالرغم أني لم أصل إلى درجة العلماء ولا المفكرين، لكن حصل لي شرف معرفة الحياة بوجهها المرعب، الذي لا يترك سوى انشقاقات مرهِقة في القلب. لكني مثلهم أبحث عن التالي، عن الموجود في الضّفة الأخرى (أي ما بعد الموت)، أو في نفس الضّفة لكن بوجه مختلف. مثلهم أبحث عن حلٍّ لمعضلة حياتي، علّني أغيّر فيها شيئًا، من يدري؟!