You are here

قراءة كتاب نظرية التأويل التقابلي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نظرية التأويل التقابلي

نظرية التأويل التقابلي

كتاب " نظرية التأويل التقابلي " ، تأليف محمد بازي ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة ا

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

اللوح الرابع

لا شك أن المطلعين على اللسانيات السوسيرية، وعلى نموذج بروب في السرديات والوظائف، والبرنامج العاملي والخطاطة السردية عند كريماص وثنائياته: المرسل (م) المرسل إليه، الذات (م) الموضوع، المساعد (م) المعيق، الفعل الإقناعي (م) الفعل التأويلي، وما يتعلق بالمربع السيميائي. واللسانيات التوليدية عند تشومسكي في الجانب الخاص بالبُنى السطحية مقابل البنى العميقة. وعلى الفضاء السردي المتقابل عند لوتمان. وعلى البلاغات العربية القديمة فيما يتعلق بالمعنى ومعنى المعنى. وعند المؤولين والأصوليين في مسألة المعنى الظاهر والباطن... سينتبهون إلا أن هناك تقاطعات بين هذه التصورات والنموذج التقابلي في اعتماد التواجهات والأقطاب والفكر العلاقي بين الأشياء والمستويات الذي يعتمد العبور من مجال تصوري إلى آخر. ولا يسعنا إلا أن نبدي ارتياحنا من كون النماذج الكبيرة في السرديات، واللغويات، والبلاغات، والشعريات، قامت أجزاء من تصوراتها النظرية على الثنائيات والتقابلات، مما يؤكد أن التقابل بنية ذهنية مجردة فرضت حضورها في جميع المجالات المعرفية، والفكرية، واللغوية، والفلسفية، والأدبية، وهو ما يدعم ما ندافع عنه من تصورات. والتقاطع الحاصل أو الممكن بيننا وبين هذه النظريات، وهذه الفلسفات لا يعني التماهي أو التبعية، وإنما اللقاء في فضاء ذهني معرفي يعكس طبيعة العقل البشري التقابلية؛ فلا شك أن البشرية تشترك في مجموعة من المضامين التي تنتظم على شكل ثنائيات، وهو ما يوحدها ويجعل التعايش ممكنا رغم التباين والتنوع[1].

إن تقاطع رؤيتنا للتقابل مع بعض الاهتمامات اللغوية، أو النقدية، بشكل جزئي - كما نبَّهْنا إلى ذلك - يُظهِر قدرة التقابل على احتضان كثير من المقاربات اللغوية، والبلاغية، واللسانية، والنصية، عبر التجاوب معها والاستفادة منها. مع تبيان آفاق التقابل الواسعة التي تخرجه من الفكر الثنائي الذي عُرف به في اللغويات والفلسفات الأرسطية والمربع السيميائي، والجدلية التاريخية، أو جدلية النص والسياق، أو غير ذلك، وتحريكه في اتجاه البحث المتعدد: الفردي، والثنائي، والثلاثي، والرباعي، والخماسي... الخ.

وأما ما يرتبط بمنجز هذه التصورات المقدَّمَة فإننا نعتبرها جزءا من تاريخ المفهوم، بل من الخلفيات المعرفية التي تغذي التصور التقابلي. إننا لا نُضَيِّق واسعا؛ فإمكان المؤَوِّل بالتقابل أن يستعير من العلوم والنظريات في مجال نقدي، أو نصي، ما يراه نافعا ووظيفيا في إنتاج المعنى، أو في الإيضاح والتفهيم؛ فالنموذج يقوم أساسا على الرؤية التقابلية للعالم، وهو يأخذ من العلم بالنصوص ما يراه مفيدا، إذ يعتبره نتاجا بشريا له دور وفائدة في تحليل الخطاب وفهم النصوص. ومن ثمة فهو يستعير منه بعض الأدوات التقنية مثلما يحصل في سائر الميادين الحياتية، حيث تتم استعارة الأدوات والتقنيات من علوم مختلفة، أو قطاعات منتجة متباينة، بناء على مبدأ الحاجة والوظيفية، ولا وجود لمنطق الإقصاء أو الفصل التقني دون مبررات. إضافة إلى أن مجال العمل بالتفكير التقابلي غير محصور في ميدان محدد، وإنما يسعى إلى التعامل مع كل النماذج البيانية الحاملة للمعنى.

وقد قامت النظريات السيميائية - مثلا - على مقترحات التصورات اللسانية، والشكلانية، والأسلوبية، واللغوية، وظلت موضع تطوير وتعديل ليس من طرف كريماص وحده، بل من طرف تلاميذه ومن جرى مجراهم. وهذه حال التنظير الأدبـي والنقدي، فهو ينطلق من الاقتراح المؤسَّس على ملاحظة الظواهر اللغوية والنصية والمعرفية، ثم صياغتها على شكل تصورات ومقترحات، وعبر تجريبها على النصوص تظهر فائدتها وجدواها، كما تظهر نواقصها ونقط ضعفها.

Pages