You are here

قراءة كتاب السفر مع الجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السفر مع الجن

السفر مع الجن

قدّم جمال محجوب في روايته «السفر مع الجن»، (ترجمة أسعد الحسين، نينوى، دمشق2011)، سيرة مهاجر في أوروبا، يرتحل بين جنباتها، ويسوح في مدنها، يستكشف معه جماليات القارّة وأسرارها.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
الفصل الأول
 
اسمه ليو، اختيار أمه وليس اختياري، لأن الاسم الذي اقترحته قوبل بابتسامات جوفاء وعبوس وعلامات أخرى من عدم الإدراك البليد مثلما قابل الأصدقاء والأقارب كوني المدافع عن أرضي، فقد تبولت على كعكة الحفلة. لم يكن إسماً صعباً كما توقعت لكنه حُرِّفَ بصورة بطيئة وأكيدة وغير مألوفة. حول إلى الشعبة الثانية باتفاق ضمني مشترك بالتدريج طبعاً، إعتاد أن نناديه بليو، أمه الانكليزية ووالديها ورفاقه في المدرسة ومعلميه كلهم نادوه بهذا الاسم. واصلت الإشارة إليه بعناد باسم حمدي حتى استسلمت إلى حقيقة أنني كنت أخدع نفسي واسبب له الألم والإرباك فكففت عن ذلك. "حمدي دمدي، جلس على الجدار، حمدي دمدي سقط من الجدار سقطة مريعة فأصبح ليو." كان الآمر بهذه السهولة ولم أتمكن من فعل الكثير إزاء ذلك. للأسماء تصميمها وعزمها وهذا الاسم ربط نفسه مسبقاً بشعوره المتنامي بنفسه. ففي عمر السابعة، أبحر في درب محتوم ومستحيل في محاولة أن ينشىء شخصاً كاملاً من الشكل الذي رآه حين نظر في المرآة. كنت أجده في الحمام أحياناً وهو يرشرش الماء في كل المكان ويحاول أن يسرّح شعره للأسفل والجانب كتلميذ انكليزي أنيق، كان الشخص الصغير الذي يراه بالمرآة كائناً بشرياً ناقصاً وإسم ذلك الشخص هو ليو. لكن حالما يبدأ الماء بالجفاف تبرز تجاعيد صغيرة مثل نوابض ملتوية لتفسد الأمر عليه. إن السبب الحقيقي لهذه الرحلة، هذا القرار، هذه الهجرة إن أحببت، هي رغبتي بأن يكتشف بأنه أكثر من مجرد هذا الليو لكنني في الحقيقة لا أعرف كيف سأنجز ذلك، لذا لا استطيع الزعم بأنني خططت هذا على الأساس المنطقي الذي يستحقه. فقد كان بلا أي أساس منطقي وحدث هكذا.
 
ماذا يمكنك أن تتعهد لطفل بعد كل ذلك سوى أن تكون هناك دائماً وأنك موثوق وجدير بالاعتماد وشراعه الذي يبحر فيه لكن تبيّن أن كل ذلك لن يتم ولم أعد متأكداً من قدرتي على الوفاء بتعهدي. حقيقة تسميته المزدوجة كانت مؤشراً على الفوضى القادمة. حين لا يستطيع الأبوان الجديدان الاتفاق على إسم مولدهما الأول فهذا تلميح إلى حالات أخرى من التنافر تترصد هناك تحت السطح الهادئ لنعمة العائلة.
 
لهذا أنا أقود سيارتي بالغريزة وحدها وليس في بالي وجهة محددة. صفحة الزمن الواسعة المتموجة تميل إلى الانتقال فجأة دون سابق إنذار وستختفي عوالم كاملة، أنا في وسط الانقسام العظيم، خط سيقطع الأرض مثل سكة محراث، تشوه تضاريس، صدع عميق لديه الإمكانية على هز قارات بأكملها وخلخلة قرون من النظام واستئصال أمم برمتها. يبدو أنني أعكس هذا الخط دون التأكد تماماً من السبب. أنا في السابعة والثلاثين من عمري، هذه نقطة المنتصف في حياتي، من هنا وبعد ستصبح انحداراً كما قيل لي.
 
نحن في سيارة نعبر جنوب ألمانيا في أواخر شهر آب حين بدأت المساءات تقصر ربما بسبب خطوط العرض والانتقال إلى الجنوب. كان هناك شعور بالإلحاح والاستعجال في الظلال المتطاولة الممتدة بين الأشجار وانتشرت بحيرات ضحلة غنية بالعشب الأخضر داخل الفجوات المشكلة بين الجزر الصغيرة لأشجار الصنوبر بمحاذاتي مثل أرخبيل غير مرسوم على الخريطة.
 
السيارة فرنسية زرقاء فضية من نوع بيجو 504 سيركا 1973 ، آلة هادرة لها شهية نهمة للوقود. سيارة لها قصة، فقد جمعها ميكانيكي هاو، واحد من هؤلاء المتعصبين غير المؤذين، فكرته عن المتعة هي في قضاء مساءات السبوت في المرآب، يولف الراديو على برنامج أغاني غولدن اولدز ويلمّع الأشياء الميكانيكية بخرقة مشبعة بالزيت. لقد أمضى عامين في تركيب هذه السيارة التي ظلت وقتا طويلا واقفة في الخارج على الطريق الخاص تحت قماش من المشمع قبل أن يعود إليها. هذه السيارة من زوجته، ذلك المخلوق العاجز عن الحركة بعيون خشبية وبلون دخاني. لم تكن تتحرك. أغلب الناس يفعلون. ولا إيماءة يد ولا هزة رأس أو نبضات عصبية خفيفة أو ابتسامات خرقاء. كان سكونها محيراً. يجعلك تنظر مرتين لترى إن كانت هناك أصلاً. لها قصة أيضاً. لقد أنهى السيارة ثم تركها بعد ذلك، مبحراً باتجاه القارة على سفينة عابرة للقنال مع امرأة ضجرت من تكديس الروايات الرومانسية على رفوف المكتبة المحلية. لقد هربا في سيارة (أوبل استرا) هذا التفصيل كان الدليل الأخير المطلوب للتأكد بأنه لم يأخذ إجازة من زوجته الملكية فقط بل من أحاسيسه أيضاً. تخلصت من كل شيء يدل على وجوده ورمت ثيابه. جيش الخلاص. اوكسفام من المضحك الاعتقاد بأن هجره لي قد يسهل معاناة العالم بطريقة ما. ابتسمت ابتسامة ساخرة. السيارات كان هناك خمسة منها، كلها في حالات متنوعة من البؤس، كانت تبيع منها لتدفع تكلفة إجازة. بعد اثنتا عشر سنة من الزواج أعتقد بأنني أستحق إستراحة أليس كذلك؟ نظرت تحت هيكل السيارة المعدني كما لو كنت أعرف ما أفعله وحاولت أن أحسم مئة جنيه من السعر لكنها لم تتركني أفلت إلا بخمسين جنيه.

Pages