You are here

قراءة كتاب السفر مع الجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السفر مع الجن

السفر مع الجن

قدّم جمال محجوب في روايته «السفر مع الجن»، (ترجمة أسعد الحسين، نينوى، دمشق2011)، سيرة مهاجر في أوروبا، يرتحل بين جنباتها، ويسوح في مدنها، يستكشف معه جماليات القارّة وأسرارها.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
تضفي الحدبة المستوية من الخلف والأنف المنحني قليلاً على البيجو نظرة رياضية، إنها تشبه إسفيناً طائراً بأجنحتها الطويلة وتبدو جاهزة للذهاب إلى أي مكان وفي الغالب تفعل ذلك. هذه واحدة من أكثر السيارات تحملاً في العالم. هنالك شيء صادق في السيارات القديمة، ليست موثوقة فقط طبعاً وإنما تملك ملموسية ميكانيكية مطمئنة. إرفع غطاء محرك سيارة حديثة وسترى شيئاً يشبه عدة أدوات ليغو، وحدات بلاستيكية منبسطة تفرقع معاً وتتساءل إن كنت قد فتحت الطرف الخطأ ويبدو لك داخلها مثل مجموعة من حقائب السمسونايت. لتصليح عطل، يعلق الميكانيكي السيارة عالياً إلى كمبيوتر يضيء بشيفرة رقمية عند الجزء المعطل. السيارات اليوم مصممة لتنسيك وجود أي شيء قذر في الاحتراق الداخلي أو حرق الوقود النباتي أو الغابات المطرية التي سويت بالأرض أو الأنهار التي لوثت أو ملايين الأميال المربعة من الطبيعة التي دمرت وضحي بها لكي تتمكن من السفر بصورة مريحة. تعطيك السيارات الجيدة قوة جر سلسة ونقية يتعذر تفسيرها. إنها الوهم في العالم المثالي الذي أعارضه. واجه الحقائق. الأشياء تتعطل، النفط يهرق والعاقبيل لم تدفع بعد. بعد أن قلت ذلك ، ظل هناك أنين مقلق نوعاً ما قادم من أداة تعشيق التروس حين اُعَشِقْْ الترس الأول وهذا ينبئ باحتمال التعرض لمشاكل قادمة.
 
تبدو في هذا القسم من العالم مثل الركوب على ديناصور فقد أخبرت ليو بأنها مثل سيارة من العصر الحجري ووجد هذا مسلياً فبدأ بتحريك الدواسات بأقدامه. كان الناس يومئون برؤوسهم محيين وهم يتجاوزننا ويمطون أعناقهم لينظروا إلينا، أما الصغار فكانوا يشيرون بأصابعهم ويضحكون بصوت عال ويضعون إبهامهم على أنوفهم للتعبير عن ازدراءهم وهم يسبقوننا. لكن كانت هذه السيارة تذكار قديم أيضا من العالم الذي ترونه لو عبرتم إلى الطرف الآخر من البحر الأبيض المتوسط. إنها سيارة العالم الثالث، تذكار من عصر آخر. البيجو 504 أسطورة في كل من أفريقيا أو الشرق الأوسط وتتفوق على كل منافساتها لأنها صلبة كالدبابة. المصنع الوحيد في العالم الذي لا زال يصنعها هو في نيجيريا. في كل العالم الآخر يجري إعادة تدويرها وتخزينها بلا نهاية وبعناية ومحبة. هنا وسط كل تلك الآلات الناعمة ذات الوزن الخفيف والتي بقوة الورق المطلي بالشمع، هناك شيء في هذه السيارة يجذب اهتمام الناس، يبدو أنهم يروون فيها رمز ماضيهم ، شعورهم بالاستمرار، ربما ذكرى في الجلوس في حضن الجد وتعلم القيادة في صيف سنة ما حين كان للعالم أساس تحته وكنت تستطيع الشعور به قبل أن يصبح كل شيء فيه خفيفا بشكل متزايد ومن الصعب الاحتفاظ به. هذه السيارة هي ما أنا بحاجة إليه الآن تماماً، شيء صلب حولي، شيء يشعرني بأنني على علاقة بالأرض .
 
عبرنا الحدود الألمانية قبل الظهر وبدا لي على الفور بأن الطريق والهواء أصبحا ثقيلين بالقذارة الصناعية. بدا حرس الحدود كالنسور في ستراتهم الضيقة القصيرة، وطلبوا مني ركن السيارة جانبا وإطفاء المحرك وتفحصوا اسمي مع قائمة المشبوهين عالمياً. هل هي السيارة، تساءلت أم وجهي؟ الحدود الآن مفتوحة لكن يبدو بأن هؤلاء الحراس لم يسمعوا باتفاق شينغين أو لم يكترثوا لما أقره هؤلاء السادة الأذكياء في بروكسل. أخبرتهم لو أنني كنت أهرّب أشخاصاً أو مخدرات لفعلت ذلك في سيارة مرسيدس سياحية واسعة مع رباط أبيض على عجلة القيادة لكنهم كانوا يفتقدون إلى حس الدعابة ومن الواضح أنه ليس هناك من مهرب يحترم نفسه يحاول الهروب من الحاجز مثلي وبهيئتي ووراء مقود كومة صدئة مثل هذه السيارة.
 
جلسنا هناك وانتظرنا مهلة من الوقت بينما كان رجال الشرطة يتأكدون من بياناتي ومن أي عمل إرهابي دبر في الثلاثين سنة الأخيرة وأي جريمة أو جنحة ارتكبت في نصف الكرة الأرضية الغربي من قبل أي شخص أسمه مماثل لاسمي. كانت هذه بداية مثيرة للكآبة. هرت السيارات خلفنا، أصبح لون الأيكات التي على جانب الطريق رصاصيّاً بسبب قذارة الكربون والغاز. قد أكون متحاملاً على الألمان لكن لماذا شعرت أنني قد أكون ضحية هنا أكثر من أي مكان آخر. لاشك بأن ذلك نتاج أفلام الحروب تلك وروايات بيغلز التي صادفتها وأنا طفل. بشعور بالذنب، حاولت أن ابتسم بمودة حين أعادوا لي جواز سفري ونلت مقابل ذلك نظرة غريبة من الحارس.
 
قدنا سيارتنا بعد ذلك عبر أراضي المستنقعات المنخفضة الشمالية، حين يذوب الجليد القطبي ستكون هذه الأراضي واحدة من أولى الأماكن التي ستتبلل فيها أقدامكم، إنها بلاد الألبان والحقول القذرة العشبية التي تقطنها قطعان تراقب باهتمام وعبوس، السير المتواصل للعربات التي تتجاوزها بسرعة كبيرة.
 
(بماذا يفكر ذلك القطيع وهو يرانا كما تظن)، (يجب أن يكون مثل مشاهدة التلفاز) لوح ليو بيده للأبقار (هل رأيت تلك) قفز عالياً من مقعده ولوى عنقه لينظر (ماذا ، ماذا) انحرفت السيارة، لست سائقاً ماهراً ومن السهل تشتيت انتباهي. ( إحداها ردت التحية" )، (كيف ردت التحية؟). (بذيلها طبعاً، لوحت لها بيدي فلوحت لي بذيلها)،( هذا جيد)،(أنت لم ترها)، (أصدقك أنظر هناك واحدة تركب دراجة)،(أوه بابا) بصورة فظة وهو يشعر بالاستياء. إنه يرى أشياء لا أعرف إن كان هذا ناتج عن خيال مفرط النشاط أم علامة على خطر أعمق. رد فعل على الاضطراب العائلي الذي عانى منه مؤخرا ربما والذي لم أخففه بسلوكي الحالي على الأقل.

Pages