You are here

قراءة كتاب السفر مع الجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السفر مع الجن

السفر مع الجن

قدّم جمال محجوب في روايته «السفر مع الجن»، (ترجمة أسعد الحسين، نينوى، دمشق2011)، سيرة مهاجر في أوروبا، يرتحل بين جنباتها، ويسوح في مدنها، يستكشف معه جماليات القارّة وأسرارها.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
ليو في وسط ذلك الزمن، مهما يحدث له الآن سيكون حاسماً ومحدداً وفاصلاً في السنوات القادمة. إن كان سيتطور إلى شخص مصقول كامل أم سيتحول إلى حطام مكسر ويلقي فشله على طفولته ووالديه الأنانيين. كل ذلك يعتمد على الشكل الذي تنبثق فيه هذه السنين في ذهنه (إنها مثل الكلاب) قال لي مقاطعاً سلسلة أفكاري ثانية ( سنوات الكلاب أقصر من سنواتنا، الكلب البالغ من العمر خمسة عشر عاماً يعتبر عجوز جداً، حسناً مثل جدتي.( . ( أرجوك إن الجدة كبيرة جداً) طلبت منه. ( على أن تقارنها بكلب من هذا الجانب). (بابا) تظاهر بتلك النظرة الباهتة التي تسأل كيف أعتبره شخصاً محتشماً بما يكفي لارتكاب مثل ذلك الخطأ الفاحش الخالي من الإحساس، لقد تعلم أن يكون مسؤولاً أمام الآخرين وهي حقيقة فاجأتني لسبب ما، ستة أشهر من حياة عمرها سبع سنوات ونصف هي جزء واحد من خمسة عشر جزء، لكنها في حياة عمرها سبع وثلاثين عاماً هي جزء واحد من أربعة وسبعين جزء. زمنه أثمن من زمني بخمسة أضعاف. نحن نعمل على حل ذلك بيننا ثم بعد ذلك نتساءل ماذا يعني هذا، هل يمكن أن يعتبر وقت شخص ما أكثر أهمية وأثمن من وقت شخص آخر غيره حقيقة؟
 
(لكل شخص إدراكه الخاص بالوقت والقيمة ولم تكن الحياة عادلة ومنصفة أبداً، بمعنى أن الطيبين أو هؤلاء الذين قدر لهم أن ينجزوا أشياء عظيمة، قل الذين كانوا بمنأى عن المصاعب والمآسي، كل ما يمكننا فعله محاولة إمضاء وقتنا في استخدام مفيد.) فكر بهذا لثانية منحنٍ وهو ويده على اللوح الأمامي للسيارة يحدق أمامه.
 
(لكن ألا يفعل ذلك كل شخص؟)
 
(حسناً، ربما ليس كل شخص لكن المغزى هو أن ما أعتبره أنا عملاً جديراً تراه أنت مضيعة للوقت. قال أفلاطون أن هدفنا الحقيقي في الحياة هو التأمل في الكمال)
 
(من هو أفلاطون؟)
 
(رجل إغريقي ذكي جداً من الزمن القديم جداً.)
 
لم أكن متأكداً لماذا كنت أفكر بأفلاطون لكن خطر لي أن هذا ما ينبغي أن نفعله. ماذا فعل مونتان، أعاد التدقيق في الماضي، أعاد النظر بما مر وحدث في السابق. أريد لليو أن يعرف الأشياء التي لم أعرفها أبدا وأن يستعد للعالم.
 
بين السيارة وابني لم يكن في تلك اللحظة شيء آخر في العالم ذو أهمية بالنسبة لي وهكذا تظاهرت العجلة بقوة سحرية كما لو أنني أملك شيئاً ثميناً يمر من خلال يدي، وما يجعلني استمر حياً كما أعتقد وهو هذا الطفل وهذه السيارة وهذا الطريق.
 
وصلنا إلى هامبورغ في وقت متأخر من العصر. لحسن الحظ كانت حركة السيارات كلها في الطريق الآخر، كانت ساعة الذروة وكان الناس كلهم يشقون طريقهم إلى بيوتهم. بيت بالنسبة لقلب العائلة، الزوج والشركاء والزوجات وكل التغييرات المعقدة للحياة العصرية، كل ما حولنا بيوت عادت لها الحياة، المطابخ أضيئت وامتلأت بالدفء والأصوات ورائحة الطبخ، أجهزة التلفاز اشتغلت والأحذية خلعت أما نحن فننساب على طول قوس طويل من الفولاذ والاسمنت المسلح لجسر الألب دون وجود سرير نمضي ليلتنا فيه. توقف وابل المطر فجأة كما بدأ وأطلقت الشمس المنحدرة للمغيب قوس قزح عبر السماء الصناعية. حبات مطر زرق تعلقت على زجاج السيارة الأمامي، أزت أشارات النيون الضوئية من أعلى السطوح وازرق لونها بدفء معدني، استلقت تحتنا متاهة من القنوات وصفوف لا تحصى من الأسنان الحديدية الصدئة التي ستتحول إلى حاويات شحن، واحد من أكبر الموانئ في العالم. وصلنا إلى نهاية الجسر وبدأ التعرج الطويل الصاعد إلى السطح في ظلام مخيم دون أن نتبادل كلمة واحدة.
 
أقلب أي صفحة من كتيبات علم النفس تلك لتتعرف بأنني أفرط في تعويض مشاعر الفشل والذنب نحو ولدي. أنا حاول أن أعوض عن عدم كوني أباً جيداً وعن عدم وجودي حيث وحين يجب أن أكون، ربما هي محقة. فأنا لم أكن هناك حتى حين ولد، فقد كنت في لندن ومن المفترض أن أعود بعد الظهر لكن ذلك لم يحدث ولم استطع الوصول، لم أكن في المكان الذي نويت أن أكون فيه. تركت لي أم ايلين ملاحظة على طاولة المطبخ تقول فيها أنهما لم يعد بإمكانهما الانتظار أكثر من ذلك وهما في الطريق إلى المستشفى ويجب أن أقابلهما هناك. في الوقت الذي وصلت فيه قررت ايلين بأنها لا تريد وجودي ولا تحتاجني وستقوم بالأمر لوحدها.
 
( هل ستأتي إلى غرفة الولادة؟) تساءلت أمها، كلير
 
(نعم طبعاً) أجبت فقد كنت رجلاً عصرياً، أبي ظل في البيت حين ولدت أنا، أرسل أمي في سيارة الإسعاف وانتظر بجانب الهاتف أما أنا فقد قرأت الكتب وحضرت دروس الاستعداد لما قبل الولادة.
 
(كلا) نخرت ايلين كالخنزيرة من زاوية الغرفة الجانبية المخصصة للأمهات اللواتي دخلن في مراحل المخاض الأولى، تكلمت وهي تتلمس وعاء قمامة بلاستيكي برتقالي اللون لتتقيأ فيه أو تحاول ذلك. لم يكن هناك أكثر من قطرة من المرار الأصفر حتى الآن، تناولت الممرضة رداء المستشفى لارتدائه من قبيل الاحتياط ( هيا يا عزيزتي) قالت أمها تتوسلها من أجل الوئام.( دعيه يدخل)
 
(على جثتي) زأرت ايلين وشعرها ملتصق بوجهها وقد هاجمها انقباض آخر حين حاولت اختطاف الرداء.

Pages