كتاب " الفلسفة في الحاضر " ، تأليف آلان باديو و سلافوي جيجِكْ
You are here
قراءة كتاب الفلسفة في الحاضر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بالنسبة إلى باديو، تنتج الفلسفة من أربعة أوضاع (فنيّ، عشقيّ، سياسيّ وعلميّ) يكون كلٌّ منها «إجراءَ حقيقةٍ مستقلاً بشكلٍ كليّ»، أي هي تُنتج الحقيقة حينما يتم السّعي وراء أيٍّ منها بحيث يصبح وضعًافلسفيًا (philosophical situation)، ولا يمكن إطلاق صفة الحقيقة على هذه الإجراءات إلا من خلال الاشتغال الفلسفيّ. ولا يتم إدراك هذه الحقيقة إلا حين يحدث “خَرْق” أو “تمزُّق” في قوانين الكينونة، فيكون هذا الخرق هو “الحدث”؛ وفقط، عبر مواجهة المرء لحقيقة حدثٍ ما، يصبح هذا الشخص ذاتًا، أي أن الذاتية، بحسب باديو، ليست إرثًا إنسانيًا بل هي مُكتسَبة. وباديو، بهذا، يقترب من مفهوم “التذويت” الفوكويّ، والذي يعني عملية بناء الذات الفردية؛ حيث يقول ميشيل فوكو إن عملية التذويت هي التجلّي الأنتولوجيّ الذي يسبق (ويمهّد لـ) ظهور الذات كمصطلحٍ وكينونة. وهي النظرية الأساسية التي يقوم عليها عمل باديو الذي ولد مع كتاب الكينونة والحدث وتطوّر عبر السنوات وصولاً إلى كتابه الآخر منطقيات العوالم: الكينونة والحدث 2 (2006) ومن خلال هذا المفهوم المتفرّد، يبتعد باديو عن معظم التيار الفلسفيّ الأوروبيّ بشقَّيْه الحداثيّ ومابعد الحداثيّ.
ولد سلافوي جيجك في العام 1949، في العاصمة السلوفينية ليوبليانا، حيث درس الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعتها، ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة منها، ثم سافر إلى باريس في الثمانينات حيث نال دكتوراه ثانية في التحليل النفسيّ من جامعة باريس الثامنة. وبين درجتَي الدكتوراه، كانت حياته الأكاديمية قد تعثّرت موقتًا إثر رفض أطروحته للدكتوراه لأنها اعتُبرتْ «غير ماركسية»، فتحوّل جيجك إلى كاتب عمود صحافيّ في عدد من الدوريات المستقلّة المناهضة لحكم تيتو، بخاصة المجلة الشبابية مْلادينا. وقد كان عضوًا في الحزب الشيوعيّ السلوفينيّ حتى تقديم استقالته في العام 1988، لينخرط بعد ذلك في عددٍ من تجمّعات وحركات المجتمع المدنيّ ومنظمات حقوق الإنسان، وما لبث أن رشّح نفسه إلى انتخابات رئاسة الجمهورية في العام 1990 في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها سلوفينيا بعد تفكّك يوغوسلافيا، مُرشَّحًا عن الحزب الديمقراطيّ الليبراليّ. وعلى الرغم من هذا النشاط القديم مع الليبراليين بقي جيجك ملتزمًا بالأفكار اليسارية الراديكالية، وصولاً إلى العام 2009 حين وصَف نفسه بأنه «شيوعيّ مؤمن بالمادية الديالكتيكية».
بدأ جيجك اشتغاله الفلسفيّ خلال الثمانينات حينما قام بتحرير وترجمة أعمالٍ لفرويد، آلتوسير، وجاك لاكان. ثم ركّز اهتمامه على لاكان بشكلٍ خاص، حيث استخدم منهجه في التحليل النفسيّ في تأويل (ونقد) الفلسفتين الهيغلية والماركسية، وإضافةً إلى ذلك كان هو الشّارح الأبرز للمنهج اللاكانيّ حيث قام بتطبيق هذه الأفكار على أمثلةٍ ثقافية وأدبية وسينمائية شعبية في عدد من الكتب بخاصة الكتاب الأشهر الذي قام بتحريره وكتابة عدة فصول منه كلّ ما أردتَ دومًا معرفته عن لاكان، ولكن كنتَ خائفًا من سؤال هيتشكوك (1993).
يُتَّهم جيجك دومًا بعدم منهجية أفكاره خاصة وأنه يكتب في جميع الحقول الثقافية تقريبًا، من النقد الثقافيّ والتنظير السياسيّ مرورًا بالسينما والأوبرا وصولاً إلى التحليل النفسيّ، وقد زاد من هذا «الغموض النظريّ»، بحسب منتقديه، أسلوب كتابة جيجك غير الاعتياديّ و»المزيج الغريب» بين الأفكار اللينينية والتحليل النفسيّ والثقافة الشعبية. ولكن جيجك لا يدفع التهمة عن نفسه بل يقول إنه يميل إلى الاشتغال في النقد بدلاً من ابتكار نظرية فلسفية، وفي الوقت ذاته كان يصرّح دومًا في حواراته بأنه يتوق للعودة إلى المجال النظريّ في الفلسفة لإنجاز مشروعٍ كبيرٍ (بـ 700 صفحة) عن هيغل. وقد صدر هذا الكتاب فعلاً في العام 2012 في مجلّد ضخم تجاوزت عدد صفحاته الألف صفحة من القطع الكبير، أقل من لا شيء: هيغل وظل المادية الديالكتيكية (2012).