كتاب " الفلسفة في الحاضر " ، تأليف آلان باديو و سلافوي جيجِكْ
You are here
قراءة كتاب الفلسفة في الحاضر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
هذه هي الواجبات العظيمة الثلاثة للفلسفة: التعامل مع الخَيار، التعامل مع المسافة، والتعامل مع الاستثناء – على الأقل، إذا ما كانت الفلسفة ذات معنى للحياة، أن تكون شيئًا أكبر من مجرد فرعٍ معرفيٍّ أكاديميّ.
في مرحلةٍ أكثر عمقًا، يمكننا القول بأن الفلسفة، بمواجهة الظروف، تبحث عن الصلة بين الأنواع الثلاثة للحالة: الصلة بين الخَيار، والمسافة، والاستثناء. أعتبر بأن المفهوم الفلسفيّ، بالمعنى الذي يتحدث عنه دولوز، أي بمعنى الخلق – هو دومًا ما يربط مشكلة الخَيار (أو القرار)، مشكلة المسافة (أو الهوّة)، ومشكلة الاستثناء (أو الحدث).
تخبرنا أعمق المفاهيم الفلسفية شيئًا كالآتي: «لو أردتَ لحياتك أن يكون لها معنى، عليك تقبُّل الحدث، عليك البقاء على مسافةٍ من السلطة، وعليك أن تكون حازمًا في قرارك». هذه هي القصة التي ترويها الفلسفة لنا دومًا، تحت أقنعةٍ كثيرةٍ مختلفة: أن تكون في الاستثناء، في حالة الحدث، أن تحافظ على مسافةٍ من السلطة، وأن تتقبّل عواقب القرار، أيًا يكن بُعدها وصعوبتها.
وفي حال فهمها بهذا الشكل، بهذا الشكل فحسب، ستكون الفلسفة هي حتمًا ما سيساعد الوجود على التغيّر.
منذ أيام رامبو، يكرر الجميع عبارة «الحياة الحقيقية غائبة». ولا تستحق الفلسفة الوقت والجهد الضائعين ما لم تكن مستندةً إلى فكرة أن الحياة الحقيقية موجودة. ومع أخذ الظروف في الاعتبار، تكون الحياة الحقيقية موجودةً في الخَيار، في المسافة وفي الحدث.
وعلى أية حال، وبما يخص الظروف، لا ينبغي أن نتعامى عن حقيقة أننا مرغمون على الاختيار بهدف بلوغ فكرة الحياة الحقيقية. ويتأسس الاختيار، كما قلنا، على مقياس عدم التكافؤ.
ما يوحّد أمثلتنا الثلاثة هو حقيقة أنها متمحورةٌ حول علاقةٍ بين مصطلحاتٍ غير متجانسة: كالّيكليس وسقراط، الجنديّ الرومانيّ وأرخميدس، العاشقان والمجتمع.
وتقوم علاقة الفلسفة بالوضع بتهيئة خشبة المسرح للعلاقة المستحيلة، التي تأخذ شكل قصة. لقد تمّ إخبارنا عن النقاش بين كالّيكليس وسقراط، وعن قصة العاشقَيْن المصلوبَيْن. إذًا، نحن نسمع حكاية علاقة. وفي نهاية الأمر، يكون ما تم إخبارنا به هو انقطاع: انقطاعٌ للرابط الطبيعيّ والاجتماعيّ المكرَّس. ولكن بالطبع، وبهدف روايةانقطاعٍ ما، ينبغي عليك أولاً أن تروي علاقة. ولكن في النهاية، القصة هي قصة انقطاع. بين كالّيكليس وسقراط، يجب على المرء الاختيار. سيكون من الضروري حتمًا القَطْع مع أحد الاثنين. وبشكلٍ مشابه، لو أخذت جانب أرخميدس، لن يكون بإمكانك مطلقًا أن تأخذ جانب مارسيلوس. ولو تتبّعتَ العاشقَيْن في رحلتهما إلى نهايتها، لن يكون بإمكانك أبدًا أن تأخذ جانب قاعدة الزواج.
إذًا، يمكننا القول بأن الفلسفة، التي هي الفكر، لا تترافق مع الموجود، بل مع ما هو ليس الموجود (ليس الأمر مرتبطًا بمتناقضَيْن، بلبمتناقضات منقطعة)، مهتمةٌ بالعلاقات التي ليست علاقات.
قال أفلاطون مرةً إن الفلسفة إيقاظ. وكان يعلم يقينًا بأن الإيقاظ يتضمن انقطاعًا صعبًا مع النوم. بالنسبة لأفلاطون الآن، وفي أي وقت، الفلسفة هيالفهممن خلال الفكر عما سينقطع مع نوم الفكر.
إذًا يحق لنا التفكير بأن الفلسفة يمكن أن تَحْدث في كل مرةٍ توجد فيها علاقة قائمةٌ على المفارقة، أي، علاقةٌ هي ليست علاقة، وضعٌ يتضمّن تمزقًا ما.
أنا أصرّ على هذه النقطة، ليس بسبب وجود «شيء» توجد الفلسفة. فالفلسفة ليست انعكاسًا لأي شيءٍ مطلقًا. هناك فلسفة، ويمكن أن تكون هناك فلسفة، لأن ثمة علاقاتٍ مبنيةً على المفارقة، لأن ثمة انقطاعات، قرارات، مسافات، وأحداث.
يمكننا إلقاء المزيد من الضوء على هذا الأمر مع أمثلة لا تكون أساطير، كموت أرخميدس، ولا بناءاتٍ أدبية، كشخصية كالّيكليس، ولا قصائد سينمائية، كحكاية العاشقَيْن اليابانيَّيْن. لنأخذ بعض الأمثلة المعاصرة الجيدة والبسيطة. مثالٌ سلبيّ وآخر إيجابيّ.