You are here

قراءة كتاب الفلسفة في الحاضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفلسفة في الحاضر

الفلسفة في الحاضر

كتاب " الفلسفة في الحاضر " ، تأليف آلان باديو و سلافوي جيجِكْ

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

التفكير بالحدث : آلان باديو

الليلة سنسأل أنفسنا: إلى أيّ حدٍّ تتدخّل الفلسفة في الحاضر، في المسائل التاريخية والسياسية؟ وفي نهاية الأمر، ما هي طبيعة هذا التدخّل؟ لم يجب استدعاء الفيلسوف للتدخل في مسائل تخصّ الحاضر؟ سنقوم – سلافوي جيجِكْ وأنا – بطرح هذه المشكلة، ومن ثمّ سنناقشها. نحن متفقان في العديد من الأشياء، لذا لا نستطيع أن نَعِدكم بمعركةٍ دموية. ولكننا سنرى ما بوسعنا فعله.

ثمة فكرةٌ ابتدائيةٌ زائفة تحتاج الإلغاء، وهي أن بمقدور الفيلسوف التحدث في كل شيء. تتمثل هذه الفكرة بفيلسوف التلفزيون: فهو يتحدث عن مشاكل المجتمع، ومشاكل الحاضر، وما إلى ذلك. لم هذه الفكرة زائفة؟ لأن الفيلسوف يُنشئ مشكلاته، هو مبتكر مشاكل، ونعني بأنه ليس الشخص الذين يمكن أن يُسأل في التلفزيون، ليلةً إثر أخرى، عن رأيه بما يجري. والفيلسوف الأصيل هو من يحدّد بنفسه المشكلات الهامة، هو شخصٌ يطرح مشكلاتٍ جديدةً أمام الجميع. فالفلسفة تعني أولاً وقبل كلّ شيء: ابتكار مشكلاتٍ جديدة. ويلي ذلك تدخُّلُ الفيلسوف في لحظةٍ ما في الوضع– سواء كانت تاريخيًا، أو سياسيًا، أو فنيًا،أو عشقيًا، أو علميًا... – ثمة أشياءٌ تتبدّى له بشكل إشارات، إشاراتٌ تُحتّم ابتكار مشكلةٍ جديدة. ويصبح السؤال حينئذٍ: ضمن أية شروطٍ يجد الفيلسوف، في هذا الوضع، الإشارات لمشكلةٍ جديدة، لفكرٍ جديد؟ ومن خلال أخذ هذه النقطة في الاعتبار، وبغية تهيئة الأرض لنقاشنا، أود تقديم تعبير «الوضع الفلسفيّ» (philosophical situation). تحدث كل أنواع الأشياء في العالم، ولكن لا تكون جميعها أوضاعًا للفلسفة، أو أوضاعًا فلسفية. لذا أودّ أن نطرح السؤال الآتي: أي وضع هو ذاك الذي يكون، فعليًا،وضعًافلسفيًا، وضعًا للفكر الفلسفيّ؟ سأقدم إليكم ثلاثة أمثلة، ثلاثة أمثلةٍ عن أوضاع فلسفية، وذلك بهدف إعطائكم لمحةً عما سأشير إليه.

الحالة الأول مُصاغٌ بشكلٍ فلسفيٍّ أساسًا، فيما لو جاز لي قول ذلك. يمكن إيجاده في محاورة أفلاطون، غورغياس. وتعرض هذه المحاورة الصراع الحاد الشديد بين سقراط وكالّيكليس (Callicles). يخلق هذا الصراع وضعًا فلسفيًا، عدا عن كونه معروضًا بأسلوبٍ مسرحيٍّ بشكلٍ كليّ. لماذا؟ لأن فكرَيْ سقراط وكاليكليس يخلوان من أي مقياس مشترك، وكلاهما غريبٌكليًا بالنسبة للآخر. كُتب النقاش بين سقراط وكاليكليس من قِبل أفلاطون بحيث يمكّننا من فهم ما يعنيه وجود نوعين مختلفين من الفكر يبقيان غير متكافئَيْن، مثل الخط المائل وضلع المربّع. ويشير هذا النقاش إلى علاقةٍ بين مصطلحَيْن ليس ثمة علاقةٌ بينهما. يجادل كاليكليس بأن ثمة صحة في قولنا بأن الشخص السعيد طاغية – أي مَنْ يغلب الآخرين بالحيلة والعنف. وعلى العكس، يصرّ سقراط بأن الشخص الصادق، الذي يماثل الشخص السعيد، هو العادل، بالمعنى الفلسفيّ للمصطلح. وبين العدالة بالعنف والعدالة بالفكر ليس ثمة تعارضٌ بسيط، من ذلك النوع الذي يمكن مقاربته عن طريق الجدالات المغلَّفة بمقياس اعتياديّ. بل ثمة افتقارٌ لوجود أية علاقةٍ حقيقية. وبذا، فالنقاش ليس نقاشًا؛ بل هو مجابهة. وما سيتوضّح لأي قارئٍ للنص ليس أن أحد المتحدثَيْن سيُقنع الآخر، بل إن القارئ سيشهد منتصرًا ومهزومًا. وهذا ما يفسّر تمامًا لمَ تبدو مناهج سقراط في المحاورة الثالثة بالكاد أكثر لطفًا من مناهج كالّيكليس. فالرغبة بالغايات تعني الرغبة بالوسائل، وهي مسألة فوز، لا سيما الفوز في عيون الشباب الذين يراقبون المشهد.

في النهاية، هُزم كالّيكليس. هو لم يعترف بالهزيمة، بل خَرِسَ وبقي في زاويته. لاحظوا بأنه المهزوم في محاورةٍ أدارها أفلاطون. ولعلها إحدى المرات النادرة التي يكون فيها شخصٌ مثل كالّيكليس هو المهزوم. هذه هي متع المسرح.

Pages