You are here

قراءة كتاب المدارس التاريخية الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المدارس التاريخية الحديثة

المدارس التاريخية الحديثة

كتاب " المدارس التاريخية الحديثة " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

في معنى كلمة تاريخ

ماذا تعني عبارة «تاريخ»؟ إِن الدراسات في هذا الموضوع هي من التنوع والكثرة حتى ليخيّل للباحث المقبل على دراسة هذا العلم أنه قُتل بحثًا وتمحيصًا، وأن كل جديد عنه لن يكون إِلا قولاً مسموعًا ملوكا ممجوجًا، لذلك سأقتصر على إثارة ماأعتبره أساسيّا في هذا الموضوع رغم أن الكثيرين سَبَقُوني إلى ذلك، ولعلّ في الإعادة الموجزة والمبسّطة بعض الفائدة.

ينتمي علم التاريخ إلى العلوم الاجتماعيّة (التسمية الأمريكية) أو إلى العلوم الإنسانية (التسمية الفرنسيّة)، وهذه العلوم كثيرة مثل: الانتروبولوجيا، الألسنية، علم النفس، الاقتصاد، علم الاجتماع، الجغرافيا، الديمغرافيا، العلوم السياسيّة...

وعلم التاريخ هو أقدم علم إنساني، وقد ظهر في اليونان القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد على أيدي المؤرخين هيرودوت (حوالي 485 ق م – 420 ق م) وتُوسيديد (470 ق م – 401 ق م). لقد انتقل الوعي بالزمن لدى اليونانيّين إلى الوعي بالتاريخ، وذلك لأنهم تخلصوا من سطوة الأساطير، أي من الفكرة التي مفادها أن التاريخ هو تكرارٌ للماضي. لقد أصبح اليونانيّون يعتقدون أن التاريخ تراكمي.

إِن الوعي بالتاريخ هو ما يتميز به البشر عن الطبيعة التي لا وعي تاريخي لها.

وتنطوي كلمة «تاريخ» لدى أغلب الشعوب على ثلاثة معان، فهي تعني أولا ماوقع في الماضي، وتعني ثانيا سَرْدُ (RÉCIT) ما وقع في الماضي فعلاً أو مايتصوّر الراوي أنه وقع فعلاً، وتعني ثالثا دراسة الماضي (رواية الأحداث وتأويلها)، فالتاريخ هو إذن معرفةٌ لمادة معيّنة، لكنه أيضا مادة لتلك المعرفة، على أَلاَّ يُفهم من ذلك وجود تطابق بين الماضي ومعرفة الإنسان لذلك الماضي، فالتطابق رهينُ ما يتوفّر للمؤرخ من وثائق وشواهد عن ذلك الماضي، ومن قُدرةٍ على الإلمام بذلك الماضي وسَبْر أغواره، على أن التطابق التام صعبٌ جدّا إن لم نقل مستحيلا، ويُوجد من المؤرخين من يذهبُ إلى حدّ القول إن أقصى وأحسن ما يمكن أن يبلغه المؤرخ هو «ذاتيةٌ غير منفعية» أو «لاَ انحياز نزيه»، أما الموضوعية، فأمرٌ صعب المنال إن لم نقل شيئًا آخر.

إنّ المعنى المزدوج لكلمة «تاريخ» موجود في كلّ اللّغات تقريبًا، ولعلّ ذلك ناشئ عن شعور دفين لدى الإنسان بالارتباط الوثيق بين معرفة الماضي والماضي ذاته، والاستثناء الوحيد تقريبًا يخصّ اللّغة الألمانيّة التي تتضمّن تمييزًا واضحًا بين (GESCHEHEN) و (HISTORIE).

إنّ هذا المعنى المزدوج لكلمة «تاريخ» له ما يبرّره، فالإنسان – موضوع المعرفة التّاريخيّة- هو أيضًا كائن تاريخيّ، وهذه المعاينة جعلت المهتمّين بالشّأن التّاريخيّ يواصلون طرح نفس الأسئلة، وذلك منذ العصر الإغريقيّ القديم إلى اليوم.

ماهي مادة هذا العلم؟

لقد اكتسب علم التاريخ مكانةً لأول مرة بين العلوم في القرن التاسع عشر، لكن وضعية هذا العلم تنطوي على إشكالية محرجة: فإذا ما بلور المؤرخ أفكارًا ونحت مفاهيم، فهو يتصرف وكأنه فيلسوف، وإذا ما أخرج للناس سرديّات كبرى، فهو يتصرف وكأنّه أديب، وإذا ما قام بتشريح وقائع اجتماعيّة، فهو يتصرف وكأنه عالم اجتماع، وإذا ما وصف أحداثا حقيقية، فهو يتصرف وكأنه صحفي، وإذا ما صاغ تراجم لشخصيّات كبيرة، فهو يتصرف وكأنه عالم نفس، وإذا ما عالج معطيات رقمية، فهو يتصرف وكأنه إحصائي، وإذا ما درس السّكان، فهو يتصرف وكأنه ديمغرافي... الواضح إذن أن حدودَ «القارة التاريخية» ليست واضحة. ألا يكون علم التاريخ علمًا امبرياليّا، وغولاً يريد التهام كل شيء؟ إن هذا ما لاحظه الكثيرون، وهم على حق.

سؤال آخر: هل بإمكان المؤرخ أن يترك جانبا طبيعته بصفته كائنا تاريخيا، ويدرس الماضي دراسةً موضوعية؟

Pages