كتاب " المدارس التاريخية الحديثة " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب المدارس التاريخية الحديثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بول فاين
أليس كذلك من أدوار علم التاريخ هو التّسلية؟ لقد ذكر المؤرخ الفرنسي المعاصر جورج دُوبي (GEORGES DUBY) «لنَحترس من الخطإِ. لقد كانت أول وظيفة لِلخطاب التاريخي هي التسلية» (مجلة Les sciences Humaines أُوكسار، فرنسا، عدد خاص رقم6، أكتوبر – نوفمبر 2007).
آخر سؤال ما انفك يتجادل حوله المؤرخون والمفكرون منذ القديم هو: هل للتاريخ غايةٌ أم لا؟ هل هو مجرّد أحداث متلاحقة فوضويّة وعبثيّة وخاضعة للصّدفة وليس للإنسان فيها من دور سوى النّسج على منوال البطل الأسطوريّ اليونانيّ «سيزيف» الذي حُكِمَ عليه بأن يقضي العمر كلّه في دفع صخرةٍ إلى أعلى الجبل، وعندما تسقط يعيد الصّعود بها من جديد إلى القمّة، وهكذا دواليك.
أم هل أنّ للأحداث التّاريخيّة معنًى وهدفًا مستترًا وغايةً محدّدة مُسْبقًا، أي أنّ أحداث التّاريخ يحكمها منطق باطنيّ يوحّدها ويوجّهها لتحقيق غاية مرسومة سلفًا مثل السّير نحو التقدم؟
لقد أعلنت الأديان التوحيدية الكبرى (اليهودية، المسيحية، الإسلام) أن أصل الزمنية (LA TEMPORALITÉ) هو الله ذو الطيبة المطلقة الذي شحن مخلوقاته البشرية بتوجه معين هو التحقيق التدريجي للأهداف الإلاهية (نظرية الاستخلاف في الإسلام)، لكن هذه الأديان لم تطرح فكرة أن الإنسان هو محصلة للتحولات الناتجة عن مُمارسَتِه هو وأن مسيرته التاريخية محكومةٌ بفكرة التحسّن والتقدم، وهذا ماجاءت به «فلسفة الأنوار» بداية من القرن الثامن عشر. وفي القرن التاسع عشر الذي هو قرن التاريخ بامتياز، مثّل هيغل (HEGEL) (1770- 1831) أول مفكر اعتبر التاريخ بُعدًا أساسيّا من أبعاد وجود البشرية وحمّلَه هدفًا معينا هو التحقيق التدريجي للعقل المطلق عبر الوعي المتواصل بالحريّة.
أما المادية الجدليّة (ماركس – انقلز) فاعتبرت أن الإنسان حرّر نفسه بنفسه تدريجيّا وأن التحرر النهائي لا يتم إلا عندما تبرز «المدنية الفاضلة» المتمثلة في المجتمع اللاطبقي الخالي من الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومن الطبقات الاجتماعية.
أما في القرن العشرين، فإن الأحداث الرهيبة (الحربان العالميّتان، «المحرقة اليهودية»، أزمة الكساد الاقتصادي العالمي في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات...) قلصت كثيرا من مصداقية أن يكون للتاريخ معنى، وانبرى ميشيل فوكو (MICHEL FOUCAULT) ليعلن أن التواصل (LA CONTINUITÉ) ليس هو العماد الرئيسي للتاريخ، وإنما اللاّتواصل والانقطاع (LA DISCONTINUITÉ)، كما لم تعد للتاريخ وجهةٌ معينة تتباطؤ مسيرتها أحيانا أو تتسارع أحيانا أخرى، وهكذا تقلّص في القرن العشرين بريق فلسفة التاريخ، واعتبر الكثيرون أن من الأفضل والأكثر حكمةً، الإيمان بأن التاريخ يعتمل وفق قاعدة ظهور المتميز والجديد والمتفرد والمفاجئ كل مرة، ولا شيء غير ذلك.
الوثائـــق
1) حيثيات ولادة علم التاريخ والعلوم الاجتماعيّة في القرن التاسع عشر في العالم الغَربي حسب عالم الاجتماع الأمريكي إيمانويل والرّشتاين: