You are here

قراءة كتاب المدارس التاريخية الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المدارس التاريخية الحديثة

المدارس التاريخية الحديثة

كتاب " المدارس التاريخية الحديثة " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

ولطالما اشتكى الرئيس الفرنسي ريمون بوانكريه (1913 – 1920) من أن الشيء الوحيد الذي يؤرقه من مُساعديه ومستشاريه هو جهلهم للتاريخ. لقد استطاع فرويد (FREUD) الاستفادة من دراسة الماضي (الأساطير الإغريقية على سبيل المثال) واستنباط علم جديد، وطريقة جديدة لعلاج الأمراض النفسيّة، هو علم النفس التجريبي (LA PSYCHANALYSE)، لكن ألا يصبح التاريخ أحيانا عامل خمول وذُبول يُعيق الإنسان عن التقدم، فيصبح مثل مريض العُصاب الذي يعيش مشدودًا إلى ماضيه منطويا على نفسه، أليس من أسباب نكسة العرب الحاضرة اعتبارهم الماضي حاضرهم، وتحولهم كما قال الفيلسوف المغربي المعاصر محمد عابد الجابري من كائنات لها تراث إلى كائنات تُراثية. أليس تعلق العرب المهوّس بماضيهم المجيد وبكاؤُهم على الاطلال ومقارعتهم للغير بموتاهم العظام، واعتقادهم أن السلوكات التي مارسها أجدادهم في ماضيهم «المثالي» بالإمكان القياس عليها وتكرارها اليوم؟ أليس هذا رفضا للتاريخية (HISTORISME)، وهي الفكرة القائلة إِن كل إنجازات البشر هي نتاج الظروف التاريخية التي أفرزَتها، وبالتالي لا تُوجد قيمة أو حقيقة صالحة لكل زمان ومكان، لذلك يجب تحليل ظواهر الماضي في حدود ذلك الماضي فقط، وليس على ضَوء الحاضر. ألا تنطبق على العرب مقولة نيتشه (NIETZCHE) «إن الإفراط في استهلاك التاريخ مُضِرٌّ بالأحياء»، أو ما قاله بول فاليريه (PAUL VALÉRY) عن التاريخ: «... إنه يجعل الناس يحلمون، ويُسكر الشعوب ويجعلهم يستعيدون ذكريات خاطئة، ويضخم انفعالاتهم، ويترك جراحهم تنزف، ويُعذّبهم وقت جنوحهم إلى الرّاحة، ويخلق لديهم، إما هذيان العظمة أو عقدة الاضطهاد» (Regards sur le monde actuel. 1931) أليست أفضل قاعدة للتعامل مع الماضي هي الارتشاف منه بلا إفراط ولا تفريط؟ لكن لنقلب الآية تمامًا، ونُلقي السؤال التالي: هل بإمكان الإنسان أن يقاطع الماضي مقاطعةً تامة وكفى الله المؤمنين شر الخصام حول هذا الماضي؟ أليس الماضي هو الهويّة (IDENTITÉ) وفاقدُ الذاكرة شخصٌ فَاقِدٌ لهويّته، والمريض الذي يفقد ذاكرته لا يعمّر طويلا كما يعلمنا الطب ذلك. هل يمكن لشعب أو أمة أن تستحق هذا الاسم عندما تكون هذه المجموعة البشرية فاقدةً لأية هويّة تميزها عن غيرها من المجموعات البشرية الأخرى؟ أليست الهويّة الثقافية هي بنسبة كبيرة إرث من الماضي؟ أليست مكانة أي شعب في حاضره هي إلى حدٍّ كبير ماكان عليه في أمسه؟ لماذا تنفق الشعوب الكثير من مالها ووقتها لبناء المتاحف ومواطن الذاكرة، كما تحرص على الاحتفال دوريّا بشتى الذكريات السياسيّة والدينية والثقافية والاجتماعية؟ أليس لأن «نسيان الماضي هو خسرانٌ للمستقبل» مثلما هو مكتوب الآن على جِدارٍ في متحف الميز العنصري بجُوهانسبورغ؟ هل يمكن القول على غرار بعض المبالغين في التشكيك في أهميّة التاريخ إن اعتناء البشر بالتاريخ هو مجرد استجابة لفضول معرفي لا غير، على أساس أن الفُضُول جبلَّةٌ كامنة في نفس الإنسان ويشمل كل شيء بما في ذلك الماضي (نظرية المؤرخ الفرنسي المعاصر بول فاين (PAUL VEYNE)؟

Pages