سؤال - 2-

 

لاشكَّ أنَّ لباشلار التأثير على كتاباتك النقدية (وهذا من وجهة نظر خاصة) فهل تم اِستثمار أطاريحه بشكل يحافظ على الهوية المنفتحة على الآخر، وكيف تحقق ذلك؟

جواب-

كتاب باشلار الذي ترجمه الروائي غالب هلسا، لي فضل في تذكيره وظهوره، بعدّ غالب يقرأ لغات أجنبية، والمكان كان يشغلني منذ فترة بعيدة، فبحثت عنه في كتبنا وموروثنا فلم أجد له ما يغني. لذا سألت غالب هلسا إن كان ثمة كتاب عن المكان في الثقافة الغربية. فطلبت منه وهو الصديق الذي يشاركنا في الكتابة والحوار في جريدة طريق الشعب والفكر الجديد والثقافة الجديدة والأقلام، يومذاك، أن يرشدني إليه.وكنت التقي به في داره وفي وزارة الثقافة، حيث يعمل، وسألته مرات عديدة إن كان ثمة كتاب عالمي يتحدث عن المكان في الأدب. فأجابني بوجود مثل هذا الكتاب، كان ذلك قبل ان أنشر كتابي أوينشر هو ملخصا لكتاب باشلار. ثم سعينا جميعا لجلبه، وتحقق أن أرسلت الدكتورة فريال جبوري غزول النسخة الانجليزية من الكتاب فلخصه ونشره. أستطيع القول أنني لي الفخر في المساهمة بنشر هذا الكتاب، لحاجتي الشخصية إلى ما يؤكد مسعاي في موضوع المكان.

ولكن وبعد نشر كتاب باشلار وقرأته وجدت حقلا ساشعا من القيم الجمالية والفنية تفتح أمامي، ليس لغرض التقليد أو المحاكاة، فقد كنت مهيأ بعد صدور كتابي قبل أن يصدر كتاب باشلار بشهر أن أستقبل الجديد في هذا الميدان، وأن افتح ذاكرتي وقلمي على ما عشته وعرفته، ولربما كانت تربيتي القروية والتصاقي الحميم بالمزارات والأضرحة والعتبات، عاملا مهما في اكتشاف المكان، حيث الانتقال للمدينة وتحولاتي الفكرية، وانتمائي للحداثة السياسية، وولعي بالجديد والقديم، عوامل مساعدة وكبيرة، في جعل المكان موضوعاً إشكالياً ومعرفياً لي، ومن ثم للثقافة العراقية التي كانت موضع اهتمامي النقدي المبكر. هذه الفورة العارمة في البحث تجعلني اؤكد أن لا أحدً أثّر بي بقدر ما كنت باحثاً في حقل لم يكتشف بعد. هل هذه شهادة حسن السلوك النقدي أُقدمها للمشككين؟ أم أنها جزء من سيرة ذاتية لا يعرفها الكثيرون وهي إنني كنت ملتصقاً حد الغثيان بكتاب اسمه "الأزمنة والأمكنة" كان يرافقني منذ أن كنت في التعليم الابتدائي قبل أن أخطو باتجاه كتابة أي نص. كتاب "الأزمنة والأمكنة" صدر عن سلسلة الألف كتاب، في بداية الستينات في مصر. وكان يتحدث عن تاريخ أمكنة في أفريقيا وعن بقاياها وآثارها،كان كتابا عن الجغرافيا الثقافية أو ثقافة الجغرافيا والتاريخ. هذا هو المصدر الأول للتعرف على أهمية الثقافة الجغرافية.