أنت هنا

قراءة كتاب العمل الإذاعي- ماهيته، طبيعته، مبادؤه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العمل الإذاعي- ماهيته، طبيعته، مبادؤه

العمل الإذاعي- ماهيته، طبيعته، مبادؤه

كتاب "العمل الإذاعي- ماهيته، طبيعته، مبادؤه"، هذا الكتاب يتحدث عن مبادئ العمل الإذاعي، حاولنا الوصول إلى هذه الأهداف كنتيجة بعد سلسلة من المقدمات الممهدة للوصول إليها، حيث ابتدأنا بالدعاية والرأي العام مروراً بوسائل الاتصال الجماهيري ثم تحولاً نحو أهداف الإ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 6
وإذا توفر منهج دقيق وبسيط لتسجيل الحركات أو ما وراء اللغة كما يسميها علماء السيميوطيقا، أي صيغ بسيطة تشبه لغة الصيغ الكيميائية أو رموز الشطرنج، فإننا نستطيع أن نكون منها ما يكفي لعمل معجم ضخم للغة الإشارة التي يستخدمها كل شعب في الحديث بين أبنائه.
لقد كان خطيب الرومان المعروف "بشيشرون" منذ ألفي عام يُّعلم الخطباء أن كل حركات الروح لا بد وأن تلازمهما حركات المعصم والأصابع والعينين وحركات الذراع المبسوطة على امتدادها والقدم التي تضرب الأرض بقوة وحركات العينين بخاصة، فالحركات مثلها مثل لغة الجسد يفهمها الناس على البعد ولقد بذل معلم الخطابة الروماني القديم جهده لجمع ما يمكن أن نسميه قاموس الحركات.
وقد استخدم الهنود الحمر الأمريكيون علامات النار في الليل للإبلاغ عن غرباء وفدوا إلى أرضهم، أو عن حيتان ألقى البحر بها إلى الشاطئ... إلخ.. أما الدخان فكانوا يستخدمونه كعلامة أثناء النهار، ويتألف شكل الرسالة من عدد مواقد النار، أو مواضع الدخان، وكذلك عدد هبّات الدخان التي يمكن التحكم فيها عن طريق إلقاء غطاء من الجلد فوق النار ثم جذبه ثانية، وتتكرر العملية حسب العدد المطلوب، وبذلك يتحدد محتوى العلامة الذي قد يفيد لاعلام القبائل الأخرى بما يقصده جيرانهم في دقة وتحديد، ولغة العلامات هذه هي لغة بصرية.
وعنى المصريون بالرموز التصويرية التي تعد أول الخطوات في اختراع الكتابة، فمكنتهم العلامات الصوتية بعد ذلك من أن يصبحوا أول من عرفوا الكتابة الحقة التي نشأت بين سكان وادي النيل قبل ظهورها في أي شعب آخر من شعوب العالم القديم.
واهتم المصريون أيضاً في عصر الأهرام بتسجيل مناظر مختلفة على جدران المقابر التي حول الأهرام، وبهذا كانوا أقدم شعب في العالم ترك لنا مناظر مصورة تكشف لنا عما كانت عليه حياتهم، ولذلك فإنه يخيل لزائرها كأنما انتقل به الزمن وأنه يجوس خلال بيوت أولئك القدماء، ويمشي في بلاد وادي النيل في الوقت الذي كان يبني فيه سكانه تلك الأهرام العظيمة، ذلك أن أهم الفنانين في ذلك العصر هم النحاتون الذين كانوا ينحتون من الخشب أو الحجر تماثيلهم ويلونونها لتصبح أكثر محاكاة للأصيل، وكانوا يصنعون في مكان العين بلوراً صخرياً يشع دائماً بنور الحياة بحيث كانت هذه التماثيل صورة صادقة لأصحابها، ووصل فيها الفنانون إلى مستوى رفيع من الإتقان لم يصل إليه فنانون آخرون فيما بعد، مع أنها أقدم التماثيل التي جاءت مطابقة لصورة أحجامها في تاريخ الفن.
فالمصري القديم إذن توسّل باللغة البصرية في البداية من أجل الإعلام، وكانت بداية التطور في الكتابة على يد السكان القدماء في مواطن الحضارة في الشرق القديم، وهي وادي النيل، ووادي دجلة والفرات، ووادي (اليانج تسي كيانج) فعرف المصريون الكتابة "الهيروغليفية" وعرف البابليون الخط المسماري الذي انتشر في أنحاء الشرق الأدنى، وعرف الصينيون ضرباً من النقوش الكتابية انتشرت في الشرق الأقصى، وما زالت لها سيادة فيه حتى وقتنا الحاضر.
فالإنسان الأول كما تقدم كان يعبّر عن أغراضه بنقش صور تمثل ما في ذهنه، وتطورت هذه الطريقة حتى وصل الناس في مراكز الحضارة المختلفة إلى التعبير عن المقاطع والكلمات بنقوش اصطلاحية.
وكان للمصريين الفضل الأكبر في الوصول إلى المبادئ الأساسية في الكتابة المنظمة، وذلك حين وقفوا إلى نوع من الحروف الهجائية، فالحروف التي تستعملها الآن معظم أمم العالم تنحدر كلها من مصدر واحد وهو الكتابة المصرية القديمة أو "الهيروغليفية" أي النقوش المقدسة كما كانت تسمى عند الإغريق.
وقد نقل الفينيقيون عن المصريين هذه الكتابة وتفرعت من الحروف الفينيقية سائر الحروف الهجائية في أوروبا والشرق الأدنى، ومن هنا بدأ الاتصال بالحضارة المصرية القديمة عن طريق الكتابة الهيروغليفية التي لا تتألف برمتها من إشارات تعبّر عن الفكرة كما اعتقدوا أزماناً طويلة، بل من أحرف تقرن بقليل من الإشارات الفكرية، ولا تكون هذه إلاّ ملاحق للأحرف ومعينة لها، وبديهي أننا إذا استطعنا الصعود إلى أوائل عهد الكتابة المصرية لوجدناها كغيرها من الكتابات الأولية، إشارات تعرب عن الأفكار، لأن الناس ابتدأوا في كل مكان بتصوير أفكارهم بالرسم، وكلما زاد تعقيد هذه الأفكار حل الرمز محل التمثيل المادي، ثم حلت الإشارة مكان الرمز، وهي صورة مختصرة، خذ مثلاً من الهيروغليفية، نجد أن الشعب المصري أخذ يعنى بداية برسم العين عضو البصر، ثم استخرج دلالتها على اسم الفعل، فإذا ما تقدم ودخلت أفكاره في العموميات دل بالعين على المعرفة وبُعد النظر وما إليهما لأنها أقرب الدلالات إلى ذلك، فإذا دعته الحاجة إلى سرعة الكتابة لم يعد يرسم العين إلاّ دائرة ساذجة في وسطها نقطة، وبهذه الكيفية تخلص المصريون القدماء كغيرهم من الرسم البحت إلى الهيروغليفية ومن هذا إلى الكتابة اليدوية وهي على نوعين، الهيراطية التي وجدت على أقدم البرديات الديموطية وهي أكثر اختصاراً ووجدت بين عهدي الأسرتين الحادية والعشرين والخامسة والعشرين.

الصفحات