أنت هنا

قراءة كتاب ليل علي بابا الحزين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليل علي بابا الحزين

ليل علي بابا الحزين

رواية عبد الخالق الركابي "ليل علي بابا الحزين"، تنطلق بأحداثها من الاحتلال الأميركي للعراق، متخذة من معاناة بضع شخصيات موضوعا لها: فتواكب تلك الشخصيات وهي تعيش عنف ما حصل وما نتجت عنه من تداعيات توجت بتفجير سامراء الذي تسبب في حصول فتنة طائفية خسر آلاف الأب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
في البيت هرع الجميع لاستقبالي لحظة ركنت السيارة في الكراج· وغالبت زوجتي دموعها لعودتي سالماً معترفة بأنها أدت صلاة الخوف، في حين أحاط بي ابناي أحمد وطه وهما عاجزان عن الكلام، وتعلقت صغيرتي ندى بعنقي لتغرق وجهي بالقبلات وكأنني عدت بعد غياب أشهر لا ساعات فقط!
 
بكّرتُ، تلك الليلة، في الصعود إلى الطبقة العليا لأنفرد بمكتبتي حيث حاولت أكثر من مرة الاتصال بـدنيا عن طريق هاتفي النقّال، ولكنْ دون جدوى؛ فجهازها كان مقفلاً· وشعرت بالندم لأنني أجهل عنوان بيت قريب يحيى الذي اعتادت النزول عنده كلما قدمت إلى بغداد؛ فكل ما أعرفه عنه أنه - مثل غالبية فقراء مدينة الأسلاف الذين يهاجرون عادة إلى العاصمة سعياً وراء رزقهم - يسكن في واحد من تلك البيوت التي تؤجر غرفها للأسر والتي تنتشر عادة في تلك المحلات المجاورة لأسواق الشورجة مثل القشل والدهانة وصبابيغ الآل
 
عزمت على المرابطة في المكتبة طوال الليل عسى أن تتصل دنيا بعدما تتجاوز انفعالها، مزجياً الوقت بتصفح ملفات عملي الجديد التي اعتدت تركها مهملة على المكتب، سعياً مني لمراجعتها وقتما أشاء، مؤملاً نفسي بأن أخرج منها يوماً ما بتلك الرواية التي تأبى، بعد مرور كل هذه السنوات، الاستقرار على شكلها النهائي؛ ذلك لأن الاحتلال فاجأني بجملة أمور جديدة تقتضي مني إعادة النظر بالكثير مما كتبت حتى الآن، انسياقاً مع الأحداث وقد اتخذت لها مساراً آخر لم يخطر لي من قبل!
 
كانت تلك الملفات خليطاً من حوارات، وملخصات بأحداث تاريخية، وملاحظات لا أول لها ولا آخر، تتخللها تشطيبات وإضافات دوّنتْ على الهوامش قد لا يصدق من يلقي عليها نظرة عابرة أنني صرفت سنوات من عمري في تدبيجها، مؤملاً نفسي بأنْ أخرج منها برواية اعتاد بدر أن يشدّ من أزري لمواصلة العمل فيها، مؤكداً أن الوقائع على الأرض هي التي سترفدني بالأحداث؛ فالأمريكيون - ولاسيما بعد مأساة الحادي عشر من أيلول - قادمون لا محالة؛ وبذلك سيتسنى لي الجمع بين احتلالين ما هما، في واقع الحال، إلا كوجهين لعملة واحدة: الاحتلال البريطاني الذي كان هو شاهداً عليه، والاحتلال الأمريكي القادم الذي يفترض بي أن أكون خير شاهد عليه!
 
لقد بقي بدر مصدر إلهام دائم لي، لم تمنعه الجلطة الدماغية التي تعرّض لها - مسببة بإصابته بشلل نصفي - من مدّ يد العون لي في تلك الفترة العصيبة التي كوت العراقيين دون استثناء بجحيمها، فترة الحصار الرهيبة؛ فكلما اتصلت به هاتفياً محدداً له تاريخ وصولي إلى الأسلاف، في إحدى زياراتي الدورية، فوجئت، لحظة وصولي إلى هناك، برياض في استقبالي في كراج المدينة: يتفقّد الركاب وهم يغادرون تباعاً السيارة القادمة من بغداد، حتى إذا ما شخصني عمد من فوره إلى انتزاع حقيبتي من يدي، حاملاً إياها نيابة عني إلى السيارة الصغيرة الجاثمة على بُعد خطوات، ومحرّكها يهدر بهدوء، في انتظار أن ينطلق بها رياض على امتداد الشوارع المزدحمة بالسيارات بطريقة كنت آمن بأنها ستوردني حتفي ذات يوم؛ فوسط سلسلة اندفاعات صاروخية، تتخللها انحرافات لولبية إلى الجانبين مشفوعة بـشحطات فجائية، توصلني آخرها إلى المكان المنشود، كنت أترجل من السيارة وأنا أتلمس ما حولي بحثاً عما أستند إليه تلافياً لأن أنهار لفرط شعوري بالدوار، تاركاً رياض يقودني وهو يكرر بإلحاح أن عمه ينتظرني على أحرّ من الجمر!

الصفحات