أنت هنا

قراءة كتاب ليل علي بابا الحزين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليل علي بابا الحزين

ليل علي بابا الحزين

رواية عبد الخالق الركابي "ليل علي بابا الحزين"، تنطلق بأحداثها من الاحتلال الأميركي للعراق، متخذة من معاناة بضع شخصيات موضوعا لها: فتواكب تلك الشخصيات وهي تعيش عنف ما حصل وما نتجت عنه من تداعيات توجت بتفجير سامراء الذي تسبب في حصول فتنة طائفية خسر آلاف الأب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
وكنا نجتاز ممراً طويلاً مرصوفاً بالمرمر - تحفّ به أشجار حديقة واسعة - ينتهي ببوابة أشبه ما تكون ببوابة قلعة، تظللها شرفة قائمة وسط واجهة رخامية لبيت بطبقتين، حيث يكون بدر في انتظاري حقاً، ولكنْ ليس على أحر من الجمر، إنما على عربة خاصة بالمعاقين تعترض سبيلي وسط مجاز يزدان أحد جوانبه بلوحة نهرية - بيوت تطل على شاطئ دجلة المكتظ بقوارب وقفف - تعود لعبد القادر الرسام، تقابلها في الجانب الآخر لوحة لجواد سليم حافلة بالوجوه البغدادية والأهلّة والأقمار·
 
وبعدما أنحني نحو بدر، متيحاً له فرصة معانقتي بذراعه السليمة، تاركاً إياه يعنّف رياض لتأخره بإعادة ذراعه المعطوبة إلى موضعها بعد انزلاقها من مسند العربة، كنا نتخذ، على إيقاع صرير عجلات العربة، سبيلنا نحو الداخل، تحيط بنا أبواب الغرف على الجانبين، وثمة تشكيلة متنوعة من لوحات تزين الجدران تعود لفنانين عراقيين مشهورين، فضلاً عن فنانين إنكليز قدموا إلى العراق في أعقاب الحرب العالمية الثانية·
 
وكانت رحلتنا القصيرة تلك تنتهي بصالة بالغة السعة بارتفاع طبقتين، وثمة شرفة على شكل نصف دائرة تطل من خلالها الطبقة العليا عليها، في حين يتكون الجانب الرابع من مكتبة هائلة بارتفاع الطبقتين، تتكون من عشرات الرفوف المثقلة بآلاف الكتب والمخطوطات والملفات وهي تدرج صاعدة لتنتهي قرب السقف الشاهق·
 
والغريب في الأمر هو أنه ما من مرة دخلت فيها ذلك الموضع إلا وتذكرت تلك الأفلام الكلاسيكية التي تدور أحداثها إبان القرن التاسع عشر في قصور برجوازية لا ينقصها شيء: فوسط الصالة تقوم مائدة مثقلة بكل ما يستطاب، تجاورها مدفأة رخامية تستعر النار فيها شتاءً، وبالقرب منها ثمة باب يؤدي إلى مطبخ يعبق دائماً برائحة طبخة شهية موضوعة على النار، وإلى الجانب الآخر يمتد مقصف حافل بأصناف المشروبات التي سبق لي وأن تفقّدتها عشرات المرات من ويسكي السكوتش الأسكتلندي، والويسكي البوربون الأمريكي، إلى الكونياك الفرنسية المقطرة من العنب والمعتّقة في براميل الخشب، والجن الهولندي، والتيكيلا المكسيكية، وساكي الرز الياباني، وشامبانيا العنب الفرنسية، فضلاً عن أصناف النبيذ والجعة والعرق العراقي العتيد·
 
في تلك الصالة كنا نتخذ جلستنا المعهودة حول كأسي وسكي تاركين لرياض مهمة إحاطتنا برعايته وقد وقف بالقرب منا ليصدع لأدنى إشارة تصدر عن بدر، سواء تعلق الأمر بجلب كتاب في وسع بدر تحديد موقعه له وسط آلاف الكتب، أو تزويدنا بمكعبات الثلج، أو بأطباق الطعام في خاتمة المطاف·
 
وبرغم أن الكلام لم يعد يطاوع بدر بيسر منذ إصابته بالجلطة، بيد أنه، ومع أول رشفة من كأسه، كان يأخذ بزمام الأحاديث بادئاً إياها بترديد جملة لم يكن يمل من تكرارها بين فينة وأخرى:
 
- ثق يا صديقي بأنني خير شاهد على أحداث جسام تتابعت على مدى عقود من الزمن لتنتهي بما نحن عليه الآن من مهانة وقد بلغنا خراء الختام لا مسكه!
 
كان ينطلق بعدها في سرد ذكرياته عن تلك الأحداث الدموية التي سبقت وصوله إلى بغداد لتتوج بأفظعها حين مغادرته إياها؛ فقبل استقراره فيها بأشهر وقع أول اغتيال سياسي تمثّل بقتل أول وزير داخلية في أول حكومة تأسست في الدولة الناشئة، لتتتابع بعدها المآسي على مدار السنوات؛ فقد جرت محاولة لاغتيال نائبين في المجلس التأسيسي، وأُبرمتْ فيها أول معاهدة بريطانية عراقية كبديل لصك الانتداب، وعمد أحد رؤساء الوزراء إلى الانتحار، كما وقع أول انقلاب عسكري، ولم يغادرها، بعد مرور خمس عشرة سنة على استقراره فيها، إلا في أعقاب موت أول ملوك العراق ومصرع الثاني واندلاع الحرب العالمية الثانية!!

الصفحات