أنت هنا

قراءة كتاب دور العرب في تطور الشعر الأوروبي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دور العرب في تطور الشعر الأوروبي

دور العرب في تطور الشعر الأوروبي

كتاب "دور العرب في تطور الشعر الأوروبي" للناقد العراقي د.عبد الواحد لؤلؤة، صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ ويقول د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
وقد تسبب هذا التقارب جدلاً بين النقاد اللاحقين مثل ابن رشيق القيرواني(390-456هـ/ 999-1063م) في العُمدة وابن قتيبة في الشعر والشعراء وغيرهما· فإن كان طرفة قد حاكى بيت امرئ القيس، أو كان الأمر مُوارَدَةً كما يقول النقّاد، فإنّ هذا التردّد في البكاء أو عدم البكاء على الأطلال هو بحدّ ذاته وعي بنوع من التطوير في الأسلوب· وقد تفرّع هذا التطور حتى أصبح إنكاراً واستهجانا للبكاء على الأطلال، كما نجد عند أبي نواس (145-198هـ /762-813م) وشعراء العصر العباسي· قال النواسي: 
 
عاجَ الشقيّ على رسم يُسائِلُهُ
 
وعِجتُ أسأل عن خمّارة  البلد· 
 
ليس هذا محض شعوبية من أبي نواس الذي أفحشَ في قوله: 
 
يبكي على طَلَلِ الماضين من أسَدٍ
 
لا دَرَّ دَرُّك، قُل لي: من بنو أسد؟
 
ومن تميمٌ ومن قَيسٌ ولفُّهما
 
ليس الأعاريب عند الله من  أحد
 
لا جَفَّ دمعُ الذي يبكي على حَجَرٍ
 
ولا صَبا قلبُ من يصبو إلى وتَدِ
 
وقال أيضاً:
 
قُل لمن يبكي على رسْم دَرَس
 
واقفاً، ماضَرّ لو كان جَلَسْ؟
 
وهي عبارة ملغومة خُبثاً، لأن البدوي لا يجلس إلاّ لقضاء الحاجة
 
إني أرى في هذا مبالغة في الخروج على أساليب الأقدمين من الشعراء، وتطويراً لمطالع القصائد وتنويعا في أسلوبها·
 
يرى أغلب الباحثين أن التطوير في الوزن والقافية وشكل القصيدة العربية التراثية قد بدأ بشكل واعٍ في القرن الثالث الهجري· ويرى آخرون أن أشكالا من القصيدة العربية التي ظهرت في العصر العباسي، مثل المخمّس والمسمّط والمزدوج لها أمثلة سابقة عليها، يُرِجعها بعضهم إلى امرئ القيس نفسه· وفي الشعر المسمّط (الذي يشبه نظام السِّمط، أو القلادة) يأتي الشاعر ببيت ذي شطرين يشبه المطلع في القصيدة التراثية، ويعقبه بأربعة أشطار تشكل بيتين من قافية مختلفة، يختمهما بشطر خامس من قافية بيت المطلع: 
 
توهَّمتُ من هندٍ معالمَ  أطلالِ
 
عفاهُنّ طولُ الدهر في الزمن الخالي
 
مرابعُ من هندٍ خَلَت ومصايفُ
 
يصيح بمغناها صدى وعوازِفُ
 
وغيّرها هوجُ الرياح العواصفُ
 
وكلُّ  مُسِفٍّ ثم  آخر رادفُ
 
بأسحَمَ من نَوءِ السِّماكين هطّالِ (5)
 
إذا لم يكن هذا المسمّط من نظم امرئ القيس نفسه، فلا شكّ أن من انتَحلَه   ونسبه إلى امرئ القيس كان نظّاماً بارعاً، بل شاعراً، استوعب بيئة امرئ القيس وتقمّص لغته الجاهلية· فإذا كان حمّاد عَجْرد الراوية، أو غيره، قد انتحل أربعة آلاف حديث نسبها إلى الرسول الكريم [ فليس بمستغرب أن ينتحل شاعر/ نظّام عباسي مسمطات ينسبها إلى امرئ القيس، أو غيره· وثمة تسميط من نوع آخر، يخلو من المطلع، قوامه أربعة أشطار، ثلاثة منها بقافية والشطر الرابع بقافية مختلفة:
 
غزالٌ هاج لي شَجَنا
 
فبِتُّ  مكابداً  حَزَنا
 
عميدَ القلب مُرتَهنا
 
بذكر اللَّهو والطربِ
 
هذا نظم تفوح منه روائح القصور العباسية في أواخر أيامها، بل تخيّم عليه أجواء العصور المظلمة وصور الجمناستيك اللفظي· ومهما يكن من أمر الانتحال والمنتحلين، هذه ظاهرة من رغبة في التطوير في شكل القصيدة العربية ولغتها· نجد امتداداً لذلك في العصر العباسي الذي شاعت فيه حرّيات لم تألفها العصور الأموية، أو عصور صدر الإسلام، أو عصور الجاهلية التي كان الحاكم في شعرها سَدَنةُ عكاظ·

الصفحات