رواية آلام ظهر حادة، للكاتب السوداني عبد الغني كرم الله؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب آلام ظهر حادة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
آلام ظهر حادة
الصفحة رقم: 1
هدية عنصرية
أنا زوج حذاء رجالي، مقاس 42، ومشكلتي بدأت في مساء الأحد الموافق الأول من ابريل 97 أي قبل ثلاثة أعوام، فقد كنت قبل هذا التاريخ، ممتلئ الوجنات، ولين البطن والظهر، وتمشط شعري سيور جميلة، وأقطن فترينة هادئة، في شارع الجمهورية، لا يعكر صفوي سوى ضوء كاشف قوي مسلط نحو وجهي، وورقة سميكة كُتب عليها أنني حديث الوصول إلى هذه الفترينة، إلى هذه الزنزانة، وبخط أسود عريض السعر 210 ألف جنية، وإن كان لا يرضي غروري، ولكنه لا يسمح لأصحاب الأرجل الخشنة المتسخة من شرائي، وامتطائي في أعمالهم الشاقة ومشاويرهم الطويلة، واستغراقهم أثناء سيرهم في مشاكلهم اليومية الوافرة مما يعرضني للانغمار حتى سيوري في البرك، والاصطدام بالحصى والبعر وعلب الصلصة، وذلك لأن هذه الأرجل الكريهة الرائحة لا تقطن إلا هذه الأحياء ذات الأزقة الضيقة المتسخة بالوحل والطلاق والمشاجرات، والتي تخلو من التعبيد والتخطيط، والتي لا محال ستنتهك حقي الطبيعي في الأمن والسلامة·
هذا ناهيك عن الرطوبة التي ستتغلغل في عظامي بفضل عرق أرجلهم المشققة، والتي تحشر بداخلي بلا رحمة أو جوارب، مما يعرضني للترهل والشيخوخة المبكرة، ولن تفلح معها كل محاولات أطباء التجميل، من ماسحي الأحذية في صبغ تجاعيدي، وإبراز مواطن فتنتي، وتزييني لمواعيد غرامية، مع أرجل تمتطي زوج أحذية نسائية، طويلة وضامرة الذيل، له وقع خاص على الإسفلت يثيرني، كما يثير الأرجل التي تمتطيني·
وقبل أن أسمعكم أنين آلامي المبرح، أحب أن أرجع بكم إلى قهقهة طفولتي السعيدة، أي قبل أن تنغرس في بطني الأسود القوي أي شوكة حادة أو مسمار، وقبل أن تحشر بداخلي رجل بني آدم وتحطم أسطورة أيماني العميق بذاتي، وبأني مجرد شمعة تحرق رأسها الغالي حتى يعد بني آدم على ضوئها المحتضر طعامه، ويتصفح جريدته، ويتأمل وجه زوجته المتعب، ويتحسس موقع نعاله الحزين، وهي عاجزة تتفرج على جسدها الفاني، كما تتفرج الشجرة على أغصانها الأليفة وهي تتهاوى صرعى بفأس بني آدم، وليس في أغصانها الخضراء غصة الثأر، وإلا لاحتوته كما تحتوي أذرع الأخطبوط أضحيتها، فتعصره كالليمون بأحشائها، فيغدو كتلة عجين من لحم وعظم ودم، بلا يد تحمل الفأس، أو أرجل دميمة الأصابع والرائحة تحشر بداخلي، كما تحشر إبرة حقنة البنسلين في صلب الطفل·