رواية «كائن مؤجل» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، يعرض الأديب السعودي فهد العتيق في روايته الأولى تجربة إنسانية لبطله خالد، تعيش ذاكرة مشتعلة تتأمل ذكريات طفولته وصباه في عالم قروي يعيش في حارة من بيوت الطين، فيعرف فيها معاني الحب في سن ص
أنت هنا
قراءة كتاب كائن مؤجل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
قال الأب: إلى بيتنا القديم·
انطلق إلى هناك وهو يفكر، هل يشعر والدي بالغربة أيضاً في هذا الحارة الجديدة، وفي هذا البيت الواسع الذي طال انتظارنا له، شعر بكآبة عابرة وهو يفكر بحالهم، التي تشبه شمعة على وشكل الانطفاء، شمعة تقاتل هذه الريح التي تهب عليها من كل الجهات لكي تبقى، كان يحس أن الزمن، مثل نهر قوي يريد أن يجرفهم جميعاً، إلى أماكن لا يعرفونها، ووجوه لا يعرفونها، وفكر إنه زمن الطفرة الاقتصادية، زمن الأغنياء والأقوياء وأبناء الذوات، وليس زمن الفقراء والمرضى والحالمين، زمن الانتقال نحو عالم غامض لا يعرفون عنه شيئاً· يشعر فيه كأنه كائن ضائع ومعطل· كان والده صامتاً في السيارة، وكان يشعر أن قسوته الدائمة تمنعه الآن من تقبيل يده اليسرى، التي وضعها بجانبه، وقد اتكأ على صندوق القماش الذي بينهما·
لماذا لا أخبرة بتعبي، هل سوف يهتم، ربما أنه يخفي وراء قسوته طفلاً لا يبوح بأسراره·
وصلوا حارتهم القديمة، كان الهدوء وعتمة خفيفة ورطوبة، تلف شوارعها الضيقة في هذه العصرية الحزينة، بينما لا زالت جدرانها تحفظ كتاباتهم القديمة، وترابها يحفظ وقع أقدامهم القديمة، أوقف السيارة في الشارع أمام الباب مباشرة، نزل والده، ونزل وراءه، فتح الباب ودخلا، توقف الأب وسط ساحة البيت، بعد أن هرب عصفوران من الفتحة الواسعة في السقف، ثم أخذ يتلفت حوله كأنه يبحث عن شيء، وسط أكوام التراب·
سأله ابنه: ماذا ستفعل ؟
قال الأب: من هنا··· نحفر هنا··· أسفل هذه الجدران الطينية·· ثم نضع أحجاراً قوية تحمي البيت·
مشى وسط البيت الصغير بتثاقل، وكان صامتاً، ثم طلب من ابنه أن يُحضر أدوات الحفر من الغرفة الصغيرة، أحضرها له، فبدأ الأب يضرب أسفل الجدار الطيني المتهالك وسط الدار، والابن يحمل التراب خارج الحفرة·
حفر كثيراً حتى التعب، توقف، أخذ في يده حفنة من التراب الطيني، شمّها··
سأله: ماذا ؟


