رواية "دوائر الجمر" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، للكاتب مؤيد العتيلي، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب دوائر الجمر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

دوائر الجمر
الصفحة رقم: 3
أواخر الربيع·· أوائل الصيف عام 1984·· كان شهر حزيران، في الأول منه·· كان يوم الاثنين·· ولا أدري لماذا الاثنين بالذات·· هو اليوم الذي عادةً ما تحدث لي فيه أحداث بارزة·· وبعضها يشكّل منعطفات هامة في مسيرتي··،، رغم أنني أدركت فيما بعد أن الأحداث الهامة في حياة الأفراد أو الشعوب لا تتم بشكل مفاجئ··، ولا تكون ابنة لحظتها·· فللحدث مقدمات·· وحالما تكتمل هذه المقدمات·· يتم الحدث·، وهذا يعني أن الإنسان الفرد أو الجماعة يمكن لهم أن يتوقعوا الحدث·· من خلال الإحساس بمقدماته·· وبما يعني أيضاًً إمكانية التدخل·· إما في اتجاه تغيير مساره أو حتى إيقافه·· فيما إذا أراد الإنسان ذلك·· وخاصة إذا لم يكن أسير عجزه··،، أما مسألة الزمن·· التواريخ والأيام، فإن الإنسان ومنذ أن بدأ يتشكل الوعي لديه بات ميالاً إلى ربط الأحداث بزمن معين·· بتاريخ معين·· سواء كانت تلك الأحداث مفرحة أم محزنة·، ربما ليقيس به قربه أو بعده عن ذلك الحدث·، وبما يعتبر وسيلة للإنسان للإحساس اليقيني بوجوده·· من خلال توثيق ارتباطه بما يجري حوله··،، فكانت الأحداث الكبرى في حياة الأمم والشعوب تشكل نقطة البدء في الزمن·· نقطة البدء في الحياة·
بعد أن تسلّل آخر القطيع البشري إلى داخل القاووش·· قمت من مكاني لأتجه نحو الباب وأنضم إليهم·· قبل أن أنتبه إلى نظرات الشرطي السمين -والذي كان ما يزال يرتكز على بندقيته- وهي ترمقني باستنكار··، مشيت متثاقلاً·· مررت بقربه·· وحين التقت نظراتنا·· اكتشفت اصفراراً شديداً يتفشّى في بياض عينيه السوداوين·، رمش بعياء·· ثم أشاح بوجهه··، تسلّلت كما تسلّلوا·· وكانت العتمة قد اشتدت بتأثير الأجساد المحتشدة في الداخل·· كلٌ يبحث عن مكان يعتقد فيه التميز عن أمكنة الآخرين··،، وبعد أن خفّ الزحام·· واحتل المعظم أمكنتهم التي اختاروها·· ولم يبق إلا البعض ممن لا زالوا يبحثون··، خطوت إلى الداخل ورغم أن مساحة المكان امتلأت حتى آخرها·· إلا أنني تمكنت من العثور على بقعة ضيقة قرب الباب·· كانت كافية لجلوسي ومد ساقيّ·· أسندت ظهري إلى الحائط·· وشبكت ذراعي حول ركبتي·· ثم أسندت رأسي كذلك إلى الحائط·· وأغمضت عيني··!!