رواية "دوائر الجمر" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، للكاتب مؤيد العتيلي، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب دوائر الجمر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

دوائر الجمر
الصفحة رقم: 5
وقفت قبالته، فنظر إلي·· وكان رأسه ما يزال مستنداً إلى الحائط، ظلت ابتسامته عالقة، لكن جفنيه أخذا يرمشان، قرفصت أمامه·· قلت وأنا أمسك بدفتري - لدي مسألة عجزت عن حلها، وكنت أهم بفتح الدفتر حين مد يده وخطفه من يدي، أخذ يتصفحه·· كان يهز رأسه حيناً وحيناً آخر يوسع من مدى ابتسامته·· حتى ليبدو وكأنه على وشك الضحك··، اقتربت منه محاولاً أن أشير إلى المسألة التي جئت من أجلها، سحب القلم من جيب قميصي·· وأسند الدفتر على ركبتيه وراح يكتب··،
لحظات·· بل هي ثوانٍ أو هكذا حسبتها·· حين أعاد إليّ الدفتر، نظرت إلى الصفحة التي كان يكتب عليها، كان خطه ما زال جميلاً·· ثلاث كلمات فقط، وكانت الأرقام التي دونها وكذلك الأسهم والعلامات تشير بوضوح إلى الحل الذي توصل إليه··
قفزت من مكاني، كان إحساسي بالفرح غامراً·· لم يكن بسبب حل تلك المسألة فقط، إنما بسبب اطمئناني إلى أن عقله كان ما يزال نشطاً، وأنه ما يزال يدرك ما يدور حوله·· أو هكذا قدرت·· أو هكذا كنت أتمنى وطمأنت نفسي أيضاً إلى أن حالته مؤقتة بالتأكيد·
مددت يدي أصافحه·· فمد يده، قلت - أنت تذكرني إذن·· لم يجب·· لكن غمامة داكنة غطت بياض عينيه، سحبت يدي·· بعد أن أحسست أني على وشك البكاء، وقفلت عائداً إلى البيت·
حين سلّمت دفتري لأستاذ الرياضيات صباح اليوم التالي، نظر في الدفتر·· وظل صامتاً لحظات، ثم نظر إليّ وكانت الدهشة تملأ عينيه، قال - من ساعدك في حلها؟ قلت - هو لم يساعدني·· بل حلّها كاملةً··، قال - من هو ؟ لذت بالصمت، فعاد يقول - هذه المسألة لا يحلّها إلا واحد من اثنين·· أنا والأستاذ نديم مدرس الرياضيات في مدرسة عتيل الثانوية، بقيت صامتاً·· عاد وسألني - من هو؟ قلت - الأستاذ نديم·· اتسعت حدقتا عينيه·· قال بإحساس كامل بالدهشة - مستحيل·· الأستاذ نديم ما زال في الضفة·· قلت - بل إنه هنا·· كانت المفاجأة كبيرة، سألني بعد صمت إن كنت سأراه قريباً، فقلت - نعم·· قال - أبلغه سلامي الحار·· قل له الأستاذ شوكت مدرس الرياضيات في مدرسة الفاضلية بطولكرم سابقاً·· يبلغك السلام· صمتّ بدوري، ولم أقل شيئاً، لم أسرد قصة الأستاذ نديم، واحتفظت بسره في صدري، ربما دون وعي مني، وجدتني معنياً بالحفاظ على الصورة التي رسمها الأستاذ شوكت للرجل أمام الطلاب·· ولذلك بقيت صامتاً·