أنت هنا

قراءة كتاب دوائر الجمر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دوائر الجمر

دوائر الجمر

رواية "دوائر الجمر" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، للكاتب مؤيد العتيلي، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
(2)
 
حين اتصلت بي راوية صباح أمس·· كنت أجلس وحدي في غرفة الصف، أصحح أوراق الامتحان النهائي لطلبة الصف الأول الثانوي، للسنة العاشرة وأنا أقوم بنفس العمل، في ذات الوقت من السنة، ولذات المادة·· والمتغير الوحيد هو وجوه الطلبة·· جيل إثر جيل·أنهيت دراستي الجامعية في الجامعة الأردنية، كلية العلوم- قسم الرياضيات·· كان خياري الوحيد يومها أن أعمل في التدريس، لم يكن خياراً جبرياً، فأنا منذ اليوم الأول لي في الجامعة، كنت قد قررت أن أكون مدرساً، ولم يكن ما حدث للأستاذ نديم - مدرس الرياضيات في مدرسة عتيل الثانوية·· القادم من إحدى القرى الجبلية المجاورة·· ليشكل رادعاً لي في اختيار المادة·· أو اختيار المهنة، لم يفقد الأستاذ نديم عقله بسبب الرياضيات·· هذا مؤكد، لكن اختياره لهذه المادة كان بالتأكيد مؤشراً على أن دماغه كان نشطاً إلى الحد الذي كان فيه قادراً على استيعاب وحل أعقد مسائل الرياضيات·
 
وحين استعصت علينا إحدى المسائل التي طرحها علينا أستاذ الرياضيات في كلية الحسين·· كنت في الصف الأول الثانوي·· وكانت سنتي الدراسية الأولى في عمان، عجزنا عن الحل، قال الأستاذ يومها - هذه المسألة واجبكم ليوم غد··
 
بذلت جهدي في سبيل حل تلك المسألة، حتى بلغت حد الإنهاك، أغلقت دفتري وتوقفت عن المحاولة، إلا أن تصوري لأستاذ الرياضيات وهو يشتم غاضباً في وجوهنا أثار لدي إحساساً مختلطاً بالخوف والخجل والحرج، وخاصة أني كنت واثقاً من أن الأستاذ سوف يتوجه إليّ أولاً طالباً مني الحل، قبل أن يتوجه للآخرين·
 
استولت علي حالة من الارتباك الشديد، ورحت أبحث في ذاكرتي عمن يمكن أن يساعدني في حل تلك المسألة·· فلم أجد، لكني وبعد لحظات·· التمعت في ذهني فكرة أحسست بعقمها بداية الأمر، تصورت الأستاذ نديم·· المشكلة أنه لا يتكلم·· لا يستطيع أن يوضح نفسه، ربما كان دماغه ما زال نشطاً، لكن ما دام لا يستطيع أن يوضح نفسه فكيف يمكنه أن يوضح لي الحل، تصورته وهو يبتسم تلك الابتسامة التي تحمل كل مظاهر الخوف والهلع واليأس والاستهتار·· وحتى الذعر، تصورت عينيه الواسعتين وهما تحدقان في الأشياء حوله، الناس والحيطان والسيارات، وحتى البهائم التي كانت تمر من أمامه أحياناً·· هل كان يفرق حقاً بين تلك الكتل المختلطة بعضها ببعض·· هو لم يكن يقول شيئاً·· لم يكن يوضح شيئاً، ولذلك لم يعرف أحد إن كان يفرق أم لا·
 
حملت دفتري وخرجت من البيت، كان الأستاذ نديم يجلس قرب الدكان الصغير الكائن في أحد المباني الملاصقة لمبنى وزارة المالية الضخم - كان الدكان شقاً طولياً في ذلك المبنى بعرض لا يتجاوز المترين، لكنه كان شديد العمق- كان الأستاذ نديم يجلس مقرفصاً على رصيف الشارع مسنداً ظهره ورأسه إلى الحائط، وإلى جانبه كيسه الأبيض الذي سوده الغبار المغبرّ ودخان عوادم السيارات الذي كان يهب فينشر سحابات قاتمة تحط على الوجوه والأشياء وخاصة تلك التي تكون في مستوى العجلات·· وكان الأستاذ نديم في جلسته تلك يقع حكماً ضمن المستوى الذي يتراكم فيه الغبار·· والدخان الأسود·

الصفحات