لقد عاش بديع الزمان سعيد النورسي ، بعد أن وقف في وجه المادية الطاغية ،حياة قاسية بالمقياس المادي، فلم يتبوأ موقعاً رسمياً في الدولة، وكان ذلك متاحاً له، ولم يعش في أمن في بلده، بل كان يُنفى من مكان إلى آخر، ولم يقض في مكان أكثر من عقد من السنوات بل دون ذلك
أنت هنا
قراءة كتاب بديع الزمان سعيد النورسي ملامح صورة وسيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
سعيد النورسي مجاهدا
كان الأستاذ النورسي قريبا من سن الأربعين حين قامت الحرب العالمية الأولى، ودخلتها الدولة العثمانية متحالفة مع ألمانيا. وقد كان من آثارها هجوم روسيا على شرقي الدولة العثمانية واحتلال شرقي الأناضول في الشهر العاشر سنة 1914م.
وكان الأستاذ سعيد النورسي قد انخرط في الجيش العثماني واعظاً سنة 1914م. وشارك في الجهاد، وتم دفع الروس في الشهر الأول سنة 1915م بعد أن استشهد ستون ألف جندي عثماني، وعاد الروس لاحتلال المنطقة مرة أخرى في الشهر الأول من عام 1916م.
وحين نقف على جهاد الأستاذ سعيد النورسي نجد قوة إيمانه، وقلة مبالاته بمخاطر الحرب. فقد كان يرافقه في الجهاد تلميذه الملاّ حبيب، ومن المواقف التي يذكرها أن الروس كانوا يمطرونهم بالقذائف: قذيفتين أو ثلاثا كل دقيقة. وكانت بعض القذائف تمر من فوق رأسيهما. وتراجع الجنود ونزلوا الخنادق، فقال النورسي لتلميذه ممتحنا لشجاعته: ما تقول يا ملا حبيب؟ أنا لن أختبئ من قنابل هؤلاء الكفار؟.
فكان جواب تلميذه: وأنا كذلك لن أتخلف عنك ولن أفارقك.
ووقفت قذيفة بالقرب منهما فقال: هيا نتقدم إلى الأمام، إن قذائف الكفار لا تقتلنا، نحن لن نتدنى إلى الفرار أو التخلف.
وقد مر الأستاذ النورسي بتجربة زادت يقينه، وزادت شجاعته. ففي معركة (بتليس) أصابت ملابسه ثلاث طلقات في مواضع قاتلة لكنها لم تصب الجسد ومرت من الثياب.
وكان الأستاذ النورسي قد شكل من تلاميذه فرقة للأنصار المتطوعين، وقاتلوا في جبهة القفقاس، وأسهم في الدفاع عن مدينة وان وإنقاذ أهلها النازحين عنها في وجه التقدم الروسي في المرة الثانية سنة 1916م. ولم ينس الأستاذ النورسي العلم وهو في جبهة القتال، فقد ألف في هذه المرحلة كتاب: «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» وهو تفسير يتناول إعجاز النظم في القرآن الكريم،(في سورة الفاتحة والآيات الثلات والثلاثين من سورة البقرة ) وكان يمليه في الجبهة على تلميذه الملاّ حبيب.
ومما يرويه الأستاذ النورسي في سيرته ؛ ذلك المنهج المتسامح الذي اتبعه في مواجهة فرق الأرمن التي كانت تقتل أطفال المسلمين. وقد وقع تحت سيطرته آلاف من أطفال الأرمن، ورأى أن عدالة الإسلام تمنع من قتلهم، فأطلق سراحهم، وردهم إلى عوائلهم خلف الحدود الروسية. وكان من أثر هذا التسامح أن كفّ الأرمن عن قتل الأطفال المسلمين من باب المعاملة بالمثل.
وقد دافع الأستاذ سعيد النورسي ومن معه عن بتليس، ولكن كانت القوة الروسية كبيرة،فانسحب الوالي وقائد الجيش وأهل بتليس منها، وظل هو مع عدد من المتطوعين لإنقاذ من عجزوا عن الهجرة، ولكنهم وقعوا في مواجهة جنود الروس، ودارت معركة استشهد فيها عدد كبير ممن معه، ولم ينج إلا هو وأربعة من طلابه اخترقوا صفوف العدو. وأصيب بجراح إثر وقوع عدة قنابل حوله، فجرحت يده، وانكسرت ساقه، وبقي في الماء والطين أربعا وثلاثين ساعة منتظرا الموت ومحاصرا من الجنود الروس .