في رواية "أبو علي الغالب"؛ نرى أن السيطرة عليهم من خلالها لم يغال الأب السيد بذلك الشعور بالظفر حين أىرى كشفت أضواء المصابيح الأمامية لسيارتي التويوتا عن سكان الزقاق الجالسين في عتبات بيوتهم.
أنت هنا
قراءة كتاب أبو علي الغالب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
أيقن أن هذا اليوم من أسوأ الأيام التي مرت به. في باب مستوصف طبابة الطلاب دارت به دوامة الحيرة: أين يذهب الآن؟ الكل انشغل عنه تاركا إياه في وحدة مضنية لروحه التي تقلبت على نيران عذاب منذ عشية الأمس. كانت العودة إلى البيت تعني فتح عذابات الجحيم أمامه. تساءل: هل يذهب إلى الدائرة مجددا؟
ماذا يفعل في الدائرة لو ذهب إليها؟ إنّه مجاز من العمل لمدة عشرة أيام، يعني عشرة أيام من عدم رؤية أعدائه الذين يعيشون اليوم عيدهم بمناسبة سقوط أسنانه.. وربما شدوا هذا الصباح على يدي الرفيق علاء مهنئين إياه على انتصاره الساحق على أبي علي الغالب.
كور قبضتيه وهزهما في اتجاه السماء مهددا الجميع بانتقام لا رحمة فيه للإهانات التي لحقت به.
حاول أن يسترد هدوءه الذي لا ينبغي له أن يفقده في مثل هذا اليوم العصيب. ترك قدميه تقودانه من دون هدى، يعني أنه بدأ في تسكع في الشوارع والأسواق التي تضج بالسيارات والعربات والناس. كان يحمل أورام وجهه إلى أماكن لم يخطر على باله أنه سيمر بها في مثل هذا اليوم. وجد نفسه، فجأة، في مقهى التجار في شارع المستنصر. دلف إلى المقهى التي لم يجلس فيها منذ أكثر من عشر سنوات. صدمته الرائحة النفاذة لتبغ النارجيلات، وكانت أصوات قرقرة مياه زجاجاتها السفلى تسمع في كل أرجاء المقهى. جلس على إحدى الأرائك الخشبية الطويلة في الجانب المطل على نهر دجلة. استساغ مذاق الشاي الثقيل الذي يشتهر به مقهى التجار. كان المقهى مليئا بالرواد على الرغم من أن الوقت ما زال صباحا. لم يتفرس في وجوه الجالسين قربه، لا لأنه يكره هذه العادة التي تحرج الآخرين، بل لأن دماغه التهب من جديد بأحداث الأمس الدامية. حاول جاهدا أن يبعدها عن فكره، أن ينساها كما لو أنها ذكرى يجب التخلص منها بأي سبيل، لكنها كانت قد التصقت بفكره بمحاجم غاية في القوة. كان يتساءل بمرارة: لماذا حكم عليه أن يجتر هذه الأحداث في كل وقت، معيدا المرارة والأسى والألم الممض لقلبه المترع بالهموم. هل كان عليه هو أبو علي الغالب أن يواصل اصطدامه بالصخور الكبيرة المدببة المنشرة أمامه على الطريق؟ كان أبوه السيد يقول له حين يشكو قسوة الحياة: إذا أردت العسل عليك أن تتحمل لسع النحل.. غير أنه احتج على أبيه السيد حين كان في نهاية دراسته الثانوية:
- لكنني أتحمل لسع النحل من دون أن أحصل على قطرة من العسل.