"أنسام وعواصف"؛ كِتاب فًريد يَجمَعُ بَينَ الشِّعرِ وَالنَّثرِ، بَينَ الأَدَبِ وَالفِكرِ، وَبَينَ التَّماثُلِ وَالتَّقابُلِ.
أنت هنا
قراءة كتاب أنسام وعواصف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
تقدمة
الحَمدُ للهِ الذي يُؤَلِّفُ بَينَ القُلوبِ، وَيُحيي هِمَمَ النَّفوسِ، وَيَمنَحُ الفَضلَ لِمَن شاءَ مِن عبادِهِ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى النَّبيِّ الهادي الأَمينِ؛ رَسولِ اللهِ إِلى النّاسِ بِلسانٍ عَرَبيِّ مُبينٍ، وَبِخَيرِ مِلَّةٍ مِن خُلُقٍ وَدينٍ.
وبعد،
فَإِنّي أَتَشَرَّفُ بِأَن يَكونَ لي كَلِمَةٌ مُقتَضَبَةٌ في مُقدَمةِ هذا الكِتابِ المُبهِرِ بِلُغَتِهِ وَأُسلوبِهِ وَبِفِكرِهِ المَتينِ الذي يُمَثِّلُ خُلاصَةَ تَجارِبِ سِنينَ طِوالٍ، وَأحداثًا جِسامًا؛ لِيَخرُجَ لَنا كِتابًا فًريدًا يَجمَعُ بَينَ الشِّعرِ وَالنَّثرِ، بَينَ الأَدَبِ وَالفِكرِ، وَبَينَ التَّماثُلِ وَالتَّقابُلِ. وَلَقَد سَرَّني ما تَضَمَّنَ الكِتابُ هُنا مِن قِيَمٍ أدَبِيَّةٍ عالِيَةٍ، وَمِن قِيَمٍ فَلسَفِيَّةٍ، وَجَذواتٍ راشِدِةٍ مِن لَدُن حِسٍّ راصِدٍ، وَرَأيٍ حَكيمٍ.
نَجِدُ هُنا في هذا الكِتابِ الباهِرِ حالَةً مِنَ التَّعانُقِ الإِنسانِيِّ العالي فيما يتعلّقُ بالشَخصِ والنَّصِّ. وَلَقَد قَدّرَ لي فَألي الحَسَنُ أَن أَتَعَرَّفَ عَلى هاتَينِ القامَتَينِ الأَدَبِيَّتينِ السّامِقَتَينِ نَخلًا باسِقًا في سَماءِ واحَةِ الإِبداعِ. وَلَئِن كانَتِ الأَديبَةُ المُبدِعَةُ كاملة بدارنة تَختَصُّ بِفُنونِ النَّثرِ، وَتَتَأَلَّقُ فيها مَبنًى وَمَعنًى، فَإِنَّ الشّاعِرَةَ وَالأَديبَةَ الكَبيرَةَ ربيحة الرفاعي، تَأتَلِقُ في كُلِّ أَصنافِ الأَدَبِ، وَإِن زانَها الشِّعرُ وَزانَتهُ، فَكانَتا هُما كِلتاهُما تُمَثِّلانِ حالَةً فَريدَةً في مَجالِ الأَدَبِ، فَكَأَنَهُما جَنّتانِ مُدهامَّتانِ ذَواتا أَفنانٍ، صِنوان وَغير صِنوان، تَسقِيان الحَرفَ بِماءِ إِبداعٍ واحِدٍ أَدَبًا وَفِكرًا، وَتَخَتَلِفانِ في النَّكهَةِ وَالأَثَرِ.
يُعرَفُ الأَدَبُ بِأنَّه الوَجهُ الحَضارِيُّ لِلشُّعوبِ، وَالرَّمزُ الدّالُّ عَلى القيمَةِ بَينَ الأُمَمِ بِما يَحمِلُ مِن مُقَوِّماتٍ إِنسانِيَّةٍ، وَأُطُرٍ اجتِماعِيَّةٍ وَمعانٍ فَلسَفَيَّةٍ وَفِكرِيَّةٍ. إنَّ الشِّعرَ وَالنَّثرَ هُما جَناحا الأَدَبِ يُحَلِّقانِ بِهِ في آفاقٍ مِنَ الإِبداعِ والسُّموقِ، في آفاقِ الكَلِمَةِ الهادِفَةِ النّاهِضَةِ.. يَحسَبُ أَحَدُهُم أَنَّ للشِّعرِ الرّيشَ الأَنعَمَ وَاللَّونَ الأَعَمَّ، حَتّى يَقرأَ نَصًّا نَثريًّا زاهِرًا.. وَيَحسَبُ أَحَدُهُم أَنَّ لِلنّثرِ الخَفقَ والطّفقَ حَتّى يَقرأَ قَصيدَةً باهِرَةً. وَيَظلُّ المِعيارُ الحَقيقِيُّ للأَدَبِ يَتَمَحوَرُ حَولَ مُستوى الحالَةِ الإِبداعِيَّةِ التي تُصاحِبُ النَّصَّ، وَتُواكِبُ الحِسَّ، لا حَولَ التَّأطيراتِ وَالتَّصنيفاتِ.
لَعَلَّ المُتَأمِّلَ في مَضمونِ هذا الكِتابِ، يَلحَظُ حالَةَ التَّلاقي الفِكريِّ والنَّفسِيِّ وَالخُلُقِيِّ الذي يَجمَعُ الأَديبَتَينِ، وَإِن بَدَتا في ظاهِرِ أُسلوبِهِما حالَتَينِ مَتَضادَتَينِ كَماءِ وَنارٍ، وَكَأنسامٍ وَعَواصِفَ.. وَلكِنَّ الأَداءَ بَدا لي حينًا كَأَنسامٍ وَأَنغامٍ، وَكَرَوحٍ وَرَيحان. وَبدا لي كَمَواقِفَ وَعَواطِفَ وَكَعَواصِفَ وَمَعاطِفَ حينًا آخَرَ، بِما يُؤكِّد حالَةَ التَّلازُمِ الفَنيِّ وَالشُّعورِيِّ عَلى مُستوى الحِسّ والفِكرِ.
وَإِنَّ فِكرَةَ هذا التَّلاقي الأَدبيّ بينَ الشِعرِ والنَثرِ في كِتابٍ واحِدٍ وَبِقَلَمينِ مُختَلِفَينِ، تُمَثِّلُ حالَةً مُتَقَدِّمَةً مِنَ الارتِباطِ النَّفسِيّ مِن جِهِةٍ، وَمِنَ الأَداءِ الموضوعيّ وَآلِيَّةِ النَّشرِ مِن جِهَة أُخرى، بِما يَخدِمُ المُتَلَقّي الذي يَحصلُ في نِهايَةِ الأَمرِ عَلى هذا التَنَوُّعِ في النَّكهَةِ، وَهذا التَّقارُبِ في الجودَةِ وَفي الطَّرحِ، وَيُؤَسِّسُ لِفِكرَةِ زَواجٍ شَرعيٍّ مَحمودٍ بِينِ الشِّعرِ وِالنَّثرِ عَلى درَجَةٍ عالِيَةٍ مِنَ الإِبداعِ وَالإِتقانِ.
وَالحَقُّ أَنَّه لا يَصحُّ في هذا المقامِ أَن يُغفلَ عَن الأداءِ اللُغويّ البارِعِ وِدِورِهِ في تَوظيفِ المُفرَدَةِ، وَتَزيينِ الأُسلوبِ بِأَدَواتِ البَلاغَةِ الإبداعِيِّةِ في إطارِ التَّشكيلِ النَّصيّ والأُسلوبيّ، بِما يُشَكّلُ أَحَدَ عَوامِلِ البُروزِ التي تُمَيِّزُ هذهِ النُّصوصَ عَن غيرِها. وَكَذا فَإِنَّهُ لا يَصِحُّ أَن نَغفلَ عَن أَهَميّةِ المَضامينِ مِن حيثُ عُمقُها، وَسُمُوُّ أَرَبِها بِاعتِبارِها تُمثِّلُ حُكمًا وَعِلمًا، وَحِكمَةً بالِغَةً، إِن تُغنِ النّاسَ النُذُرُ. وَبِهذا وَذاكَ باتَ هذا العمَلُ الأدَبِيُّ كَمالَ رِبحٍ وَرِفعَةَ بَدرٍ.
وَإِنَّني أَشكُرُ لِلجَميعِ هذا الكِتابَ، وَأَشكُرُ الأَديبَتينِ الزّاهِرَتينِ عَلى أَن أَثريَتا اللّغَةَ بِهذِهِ النُّصوصِ، وَالمَكتَبَةَ العَرَبِيَّةَ بِهذِهِ المَطبوعَةِ التي أَرجو أَن تَنالَ ما تَستَحِقُّ مِن حَفاوَةٍ وَعِنايَةٍ وَنَجاحٍ.
مَع خالِصِ التَّقديرِ
د. سمير العمري
رئيسُ رابِطَةِ الواحَةِ الثَّقافِيَّةِ