أنت هنا

قراءة كتاب إنزياحات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنزياحات أخرى

إنزياحات أخرى

من خلال كتابه " انزياحات أخرى "  الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان .جاء الكتاب معنونا بـ " نصانيات"، وهو اقتراح شكل وبنيوي جديد ، يطرحه الدكتور محمد الأسدي ، رافعا لغته النثرية إلى أقصى درجات الشعر ، ومخلصا شعريته من روحها لتنـزل على النثر ضيفة رب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
لم تتجلَّ ريادة السيدة نازك في إنتاج النص بقدر ما تجلت في قراءته ، وهو أمر تجلى في دراساتها النقدية المجنحة بحرية منضبطة معرفيا أسست بها للنظر إلى الحداثة الناهضة بين طليعة نقاد الشعر المحدثين ، وهنا موطن التغاير الذي كان من الأجدى أن تنصرف إليه القراءات المحايثة لظاهرتي النص السيابي الشعري والنص النازكي النقدي عند مقاربة مفهوم الريادة عِوض الانهمام بتواريخ " أزهار ذابلة " و " الكوليرا " ممثلاً بمنحنيي الإنجاز و التطلع وهو ما يمكن التعبير عنه بـ : فعل الشعر السيابي و حلم الشعر النازكي ، بيد أن السياب لم يكن خلو الوفاض تماماً من الحدس النقدي ، فقد امتلك الإلماعات الأولى للحدس القارئ / المتشوف / المؤسس لأفق تثاقفي عربي يتجاور فيه المتنبي وإليوت ، والمعري وإديث سيتويل ، والجرجاني و ريتشاردز ، إلا أنها امتدادات لبثت في طور الكمون والنشوء ولم تبلغ طور الارتقاء ، ويبدو أنه رغب بتخطّي العائق المعرفي الذي يحول دون تجاوزه دركة الحدس إلى دركة الوعي ، فأقدمَ على الالتحاق بالدراسات العليا بالجامعة البريطانية في درم ، بمنحة دراسية ، تلك الخطوة التي كانت جديرة بأن تضيف إضافة بالغة الأهمية إلى التأريخ النقدي الجمالي للنص الشعري العربي لو لم يتخمطها الداء والموت المبكر ، فقد امتلك ذخيرة من التصورات النافذة والثقافة المتجاوزة لحدود ثقافة الريف والمدينة التي أنجبته ، وولعا بالتجديد منتجاً ، ومنظوراً كان جديراً ـ مع التشذيب المعرفي والبناء الأكاديمي ـ أن يبلغ بصاحبه مرتبة الجلاء الرؤيوي بما يقدمه لنا بوصفه ناقداً فضلا عن كونه شاعراً ، على وفق ما يثبت لنا " كتاب السياب النثري " الذي جمع فيه مؤلِّفُهُ جملةً من مقولات السياب حول حركة الحداثة الناشئة ، التي كان يدرك تزعمه الإبداعي لها ، وقد عبر عن ذلك على نحو موضوعيٍّ لا يبخس الآخرين أشياءهم ، حين قال (( هناك حقيقة لم يبق من مجال لكتمانها ، هي أن الشعراء الذين كتبوا على طريقة الشعر الحر لم يتأثروا خطا نازك ولا خطا باكثير ، وإنما تأثروا خطا كاتب هذه السطور ، من حيث الشكل .. ومهما يكن فإن كوني أنا أو نازك أو باكثير أول من كتب الشعر أو آخر من كتبه ليس بالأمر المهم وإنما الأمر المهم هو أن يكتب الشاعر فيجيد فيما يكتبه ، ولن يشفع له إن لم يجود أنه كان أول من كتب على هذا الوزن أو تلك القافية .. إن الشعر الحر أكثر من اختلاف عدد التفعيلات .. )) ( 1 ) ، فهي عبارة لا يمكن دحضها أو التقليل من أهميتها ـ في ذلك التأريخ المبكر ـ ترصد موطن الوهن الذي سيلحق طرفاً من الأقاويل النقدية من بعده ، وتقدم المعيار الأمثل للمفاضلة بين التجارب ، ممثلاً بمعيـار المتحقق في النص لا المتطلَّع إليه ، إذ لا ريب في أن جميع المنتجين الجدد للنص الشعري يتطلعون إلى ما هو أكثر حداثة ، غير أن التطلع والتمنيات لا تعفي من إحالة التطلعات والتصورات المثالية إلى تحققٍ نصي يضاهي ويجاري تلك التطلعات ولا يتخلف عنها ، وهذا ما حققه السياب فعلا ، فيما انشغلت السيدة نازك بدعوى الأسبقية ، وبخاصةٍ ذلك التأريخ الذي ذيلت به خاطرتها " الكوليرا " بعد نشر السياب " أزهار ذابلة " ( الأقرب إلى بنية الموشح منها إلى الشعر الحر ) ولو افترضنا جدلا أن السياب لم يكن قد خُلِقَ بعد حين كتبت الكوليرا ، فإن نظرة دقيقة إلى ما أعقب الأربعينات من نتاجهما تبين بما لا مراء فيه أن السيدة نازك لم تعدُ أن تكون تلميذة متذمرة في مدرسة السياب قاست الفارق بينهما بالمعيار الارستقراطي ولم تقسه بما قدمه كل منهما من نصوص قادرة على الاستحالة إلى موجة عابرة للنصوص التي عاصرتها ومؤثرة فيها تأثيرا جعل من " السيابية " ظاهرةً و طابعاً انطبعت به مرحلة كاملة من عمر الشعر العربي ، لقد افتقر السياب إلى تنظيم تطلعاته على نحو كان أهلاً لو تم لجعلها مصدرا للتنوير الحداثوي والاستنارة المقيَّدة بضوابط علمية ( غير اعتباطية ) ، كانت تفوهاته النقدية تُهَوِّمُ على أطراف الظواهر التي ترصدها ، وخلال ذلك كله كان يحيل تطلعاته نصوصاً ، بينما كانت نازك ( الرومانطيقية الصارمة ) تتفوق عليه في كفاءة القراءة بمقدار ما تتأخر عنه في كفاءة التنصيص .

الصفحات