أنت هنا

قراءة كتاب إنزياحات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنزياحات أخرى

إنزياحات أخرى

من خلال كتابه " انزياحات أخرى "  الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان .جاء الكتاب معنونا بـ " نصانيات"، وهو اقتراح شكل وبنيوي جديد ، يطرحه الدكتور محمد الأسدي ، رافعا لغته النثرية إلى أقصى درجات الشعر ، ومخلصا شعريته من روحها لتنـزل على النثر ضيفة رب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
نخلص من كل هذا إلى وضع " النثرانية " و من بعدها " النصّانية " موضعها المستحق في تراتبية الكتابة العربية الجديدة ، لا بوصفها نوعا كتابيا مستوردا أو استعارة محضة ، وإنما بوصفها نوعاً متجذراً في البنية المفهوماتية والمعرفية للكتابة العربية ، الكتابة بوصفها نوعاً لا يمكن بلوغه ، يمكن فقط السعي إليه ، وعقد المقاربات التجريبية باتجاهه .
 
***
 
سعى محمود درويش إلى تخليق أسلوبية متنامية تقشفاً بالتقرير وانزياحاً بالتعالق الرمزي والمجازي للعلامة ، كان حدثاً شرق المتوسط عصف في أوانه بشعراء كنعان ليس ابتداءً بطوقان ولا انتهاءً بسميح القاسم ، لقد وجَدَتْ أجيالٌ في نصه المنهل الجمالي القريب من هموم الذات العربية في منعطفاتها المصيرية ، وهكذا كان محمود بحق ، درويشاً يتسامى بالوجع الجمعي إلى تراتيل ملونة بدم الشهداء ، وخضرة الزيتون ، وزرقة بحر عكا ، وشحوب الواقع المتردي في غياهب الهزيمة والخذلان ، كان روحا قادراً على الرؤية في ليل الهزيمة واستنطاق الموتى من أسلافه الفلاحين وجذور الزيتون والليمون الغائرة في الأعماق المحاصرة .
 
كان إيقاعه ـ في البدايات ـ إيقاع الثورة والغضب الكنعاني نفسه ، فسرعان ما اتجهت إليه عيون كنعان وغصونها ، كان شاعر الغنائية الجديدة ، لكنّ غنائيته المفرطة تنامت على حساب فلسفة الثورة التي كان جديرا بأن يضفيها على تلك الغنائية ولكنه لم يفعل ، واكتفى بأن يغني لتلك الثورة ، فلم يكن قادراً على استقراء الأبعاد الفكرية للقضية التي يحملها بقدر ما أوغل في استقراء أبعادها العاطفية ، وهو ما حاول أن يستدركه في نتاجاته المتأخرة عبر محاولة الانفتاح على خطاب الآخر ، منذ " أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي " ووصولا إلى " حالة حصار " فما بعدها ، على الرغم من حرصه على تطوير أسلوبيته باستمرار وكدح وغزارة في الانتاج لم يعد أكثرها في صالحه ، فقد أوقعته الغزارة في مصيدة التفكك النصي والتكرار غير الموفق للأفكار والأخيلة والعبارات ، إلى جانب حرصه المستمر على إطالة القصيدة باستدعاء المزيد فالمزيد من التداعيات التي كثيرا ما أنهكتها و أثقلتها بمظاهر التفكك النصي وضعف الاشتباك بين مكونات النسيج الشعري كما في " خطبة الطاغية الموزونة " ، و " الجدارية " مثلاً ، فقد أغوته فيهما كما في أغلب نتاجه أسطورة الغزارة وطول النفس إلا أن إيقاعه بقي واحدا ، فثمة ثباتٌ خطِّيٌّ في سيرورة ذلك الإيقاع لم يتمكن من تجاوزه ، يوازيه ثبات في المضامين واللغة والأفكار ، فمن الجلي أن ما توصل إليه في " مديح الظل العالي " من أبنية ودلالات بقي يمارس حالة من التثبيت الشديد على كل ما أنجزه بعد ذلك ، بل إن بنية التدوير التي سلكها في أغلب نتاجه المتأخر ـ عبر إيقاعي المتدارك والكامل ـ شكلت قالبا جاهزا وقع الشاعر أسير سلطته الغنائية التي تناسبت وميله إلى الانجراف مع التداعي النفسي والإيقاعي ، 

الصفحات