"هزائم المنتصرين السينما بين حرية الإبداع ومنطق السوق"؛ للكاتب إبراهيم نصر الله، الصادر عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ نقرأ منه:
أنت هنا
قراءة كتاب هزائم المنتصرين - السينما بين حرية الإبداع ومنطق السوق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
هزائم المنتصرين - السينما بين حرية الإبداع ومنطق السوق
الصفحة رقم: 6
.الآن يبدو لي مشهد ذلك الزمان مُربكاً، لقد كنا نذهب إلى السينما إلى حد يمكن أن نتصور معه، أننا لم نفعل شيئاً سوى مشاهدة الأفلام، وكنا نصطاد العصافير إلى درجة يمكن أن نحس معها بأننا لم نكن نفعل شيئا غير اصطياد العصافير، وكنا نتشيطن، إلى درجة أننا سنحس الآن بأننا لم نكن أكثر من متسكعين، وكنا ندرس، وننجح، كما لو أننا مجرد أطفال بلهاء لا تفارق أعينهم صفحات كتبهم· مع أننا لم نكن نجرؤ على البقاء خارج بيوتنا بعد السابعة أو الثامنة مساء تحت كل الظروف· وكنا عرضة للموت وأشكاله المتعددة كما لو أننا لم نولد أحياء، فكيف كان لذاك الزمان الضيق الشحيح أن يكون بهذا الاتساع؟!!
.إنه سؤال لا أستطيع الإجابة عليه أبداً، خاصة أننا لم نحس بتقصيرنا في إعطاء كل جانب من هذه الجوانب حقه كاملا·
.ومع تقدمنا في العمر! أصبح لزاماً علينا أن نتعرف خلال الدراسة، على أناس غير وحش الشاشة وسيدتها، أناس لا علاقة لنا بهم أبداً، كأفلاطون، وديكارت، وكانت!! إنهم ليسوا من هنا، إنهم سماويون، محلِّقون في الفضاء، لا شيء يربطنا بهم غير هذا الكلام المُحْكَم الصعب، حيث لم يقدموا شيئا يمكن أن نحسه قريبا منا، فخالد بن الوليد انتصر هنا، وصلاح الدين كذلك، وعمر بن الخطاب دخل القدس وشهداء معركة مؤتة أقرب إلينا مما يظن واضعو المنهاج أنفسهم··
.لكننا ما أن نصل إلى حد لا نستطيع معه احتمال العالمين، الماضي بتواريخه الدقيقة التي لا تقبل أي خطأ، والحاضر المُحلّق بقوة الفلسفة ، والذي لا نستطيع اللحاق به رغم كل ما فينا من أجنحة؛ ما أن نصل إلى هذا الحد، حتى ننسلَّ إلى عالمنا الآخر، عالم السينما، عالم العتمة المضيئة، لنخرج منه كما لو أننا ولدنا من جديد·
.في تلك الفترة بدأتُ الكتابة أيضاً، وبدتْ عالماً جميلاً، فها أنتَ تؤلف أفلامك التي تريد، لكن العالم الجديد، عالم الكتابة، لم يكن أكثر جمالاً من السينما· أما أجمل ما حدث حقا، فهو أن السينما قد فتحت الطريق للقراءة، ومهَّدته، فقرأنا (البؤساء وأحدب نوتردام والآمال الكبيرة) احتراما للممثلات اللواتي أَدَّين الأدوار في هذه الأفلام، وقرأنا (الوسادة الخالية) احتراما لعبد الحليم، و (في بيتنا رجل والنظارة السوداء) من أجل عيني نادية لطفي، وكذلك الأمر بالنسبة لـ (المرايا وميرامار وخان الخليلي) وقد مهدت هذه القراءات لمغامرة أكبر، حيث رحنا نقرأ كتبا لم يسبق لنا أن شاهدناها أفلاما: بائعة الخبز، آلام فارتر، الأخوة كارامازوف، والجريمة والعقاب بنسخها الشعبية، وروايات إميل زولا، وخاصة الأرض والتحفة، والرواية الباهرة لأوسكار وايلد (صورة دوريان جراي)، كما أن المجموعة القصصية (الجدار) لجان بول سارتر أحدثت هزة عنيفة، وأظن أن القصة التي تحمل المجموعة عنوانها هي النص الأدبي الوحيد الذي جعلني مستيقظا طوال الليل، لأول مرة في علاقتي العنيفة بالنصوص كقارئ، وكان النص الآخر الذي فعل فعله، وإن بصورة أقل من حرماني النوم، هو رواية (الجوع) لأديب السويد العظيم كنوت هامسون، وما زلت أحتفظ بنسختها منذ ذلك الزمان، بترجمة محمود العرابي التي راجعها ودققها جورج جرداق والصادرة يوم 02/11/5691 كما جاء في صدر صفحتها الأولى!!