رواية "الموتى لا يكترثون"؛ لم كان الموتى يتكلمون؟
أنت هنا
قراءة كتاب الموتى لا يكترثون بالورود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
- ترددت واعترفت أنها لم تعد تذكر، فأعقب منتصراً :
- كما ترين يا أمي الحبيبة، حتى من ينجب أولاداً ينساه أقرب الناس إليه بعد ثلاثة أو أربعة أجيال !
لم يسقط في يدها كما حسب، بل أصرت على موقفها قائلة والله لم أعد أفهم كلامك· ما الذي فعلته الغربة بك ؟
في خداعه لنفسه لم يود حلمي الاعتراف أن عدم زواجه يعود لسوء حالته المادية المزرية وجوعه المزمن الذي خلفه هيكلاً عظمياً محدودب الظهر جاحظ العينين لا تحفل به النساء، لكن كيف لعربي حالم بالفتوحات النسائية في أرض الفرنجة أن يعترف بواقعه الأليم وأنه يعيش على هامش مجتمع لا يقبله بسهولة حتى لو حاول الذوبان والانصهار فيه ؟!
لم يود أن يواجه نفسه خوفاً من أن تطرح عليه أسئلة محرجة من أمثال··· ما جدوى العيش في مدينة النور والجمال إن كان محروماً من كل ما فيها···، ناهيك عن العيش عالة على الآخرين ؟
كعادته في خلق الأعذار وتخدير الذات قال بينه وبين نفسه الناس للناس
قول شعبي آخر يطرب أذنيه حماتك بتحبك ذلك عندما يحل ضيفاً دون سابق إنذار أو اتصال كمفاجأة غير سارة على عائلة على وشك تناول الطعام، كما فعل الآن، حيث ملأ بطنه ولم يجد غضاضة في سؤاله:
- عندكم سيجارة ؟
لم يحصل إلا على كوب شاي·
أثار منام حلمي في القطار اهتمام الزوجة، الطبيبة النفسية، خاصة الحجرة البيضاء· دونت بعض الملاحظات في دفتر صغير، ثم ناولت كلاً من زوجها وحلمي ورقة بيضاء، وطلبت منهما كتابة ثلاثة نعوت من كلمة واحدة فقط في وصف الحجرة· بعد أن انتهيا أخذت الورقتين وقرأت :
وصف حلمي يقول : باردة، فارغة، لا حياة·
التفتت إلى زوجها وقالت :
وصفك مختلف : حمامة، سحابة، لا نهاية·
أقرُّ أنهما لم يفهما شيئاً، فأردفت :
- هذه نظرة كل منكما للموت·
ارتعب حلمي من إجابته، في حين غمرت الآخر نشوة فرح عارمة·
لا يمكث حلمي في بيوت الناس طويلاً بعد أن يملأ بطنه، اللهم إلا إذا كان يخطط لتناول العشاء أيضاً، وإن كان نادراً ما يفعل ذلك، لا خجلاً من مضيفه، بل كي لا يعتاد على تناول أكثر من وجبتين كبيرتين في يوم واحد·
وبما أن غداء اليوم كان وليمة دسمة لم يتناول مثلها منذ وقت ليس بالقصير، آثر المغادرة، فلم يبد مضيفاه أي حماس لاستقباله ولا حتى من باب اللياقة العربية المعهودة·
كان المطر يهطل حين غادر منتصراً في غزوته المفاجئة، تمنى لو أن هناك من يبيع السجائر بالواحدة كما تفعل بعض عجائز بلاده· في النهارات الماطرة لا يحبذ ركوب الميترو، بل حافلة كهربائية مزدوجة العربات يمكنه صعودها من بابها الوسطي، فلا تضطره لشراء تذكرة أو عرض بطاقة المواصلات الشهرية على السائق·
قد يتبادر للذهن أنه لا يحفل بتوصيات منظمات الدفاع عن المهاجرين التي توصي بصريح العبارة من ليس عنده أوراق إقامة قانونية في البلاد بعدم استخدام الميترو والحافلات دون تذكرة، لأن أول سؤال سيكون عند توقيفه طلب أوراقه وهويته، لكن للضرورة أحكام كما يقال ويقول·