أنت هنا

قراءة كتاب الموتى لا يكترثون بالورود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموتى لا يكترثون بالورود

الموتى لا يكترثون بالورود

رواية "الموتى لا يكترثون"؛ لم كان الموتى يتكلمون؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
قال بشير تفضل
 
كما قلت تناولت الغداء أجاب حلمي بصوت خافت متمنياً أن لا يسمع ويضيع في ضجيج جمع الأطباق وانهماك الفكوك القارضة·
 
وصرت مخلص المشوار ! استفسر نبيل ساخراً بموسيقية لهجته المطربة·
 
حافظ حلمي على ابتسامته وإن بدا الحرج على وجنتيه اللتين، لولا آثار صقيع الخارج لصارتا حمراوتين أكثر من أحمر شفاه فتيات ستراسبورج سان ديني ومساحيق وجوههن الصارخة· لم يجب ولم ترتفع عيناه عن البخار المتصاعد من طبق لحم بالعجين تحمله النادلة الكردية إلى زبون خلفه·لاحظ بشير ذلك، رق قلبه الرقيق فقال خذ واحدة
 
لم يكن هناك مجال للمناورة، التردد أو التظاهر بما لا تخفيه النفوس، مد يده ليلتقط قطعة وهو يتمتم واحدة من أجل خاطرك
 
كان يود التأني في أكلها ليستطب طعمها، ينعش وجهه بسخونتها، يستنشق رائحتها الطيبة التي كانت بالنسبة له أفضل من كل عطور نساء باريس، غير أن جوعه كان كافراً، فالتهمها بنهم ذئب جائع·
 
راح نبيل، بعدما عاد للمحل، يهز قارورة زجاجية مدورة مليئة بكرات صغيرة ملونة مرقمة تهبط منها واحدة بين حين وآخر، يقرأ الرقم بصوت مرتفع قبل أن يملأ به ورقة يانصيب لوتو أمامه· راقبه حلمي برهة، سأل بتودد اختراع جديد ؟
 
لم يرفع نبيل عينيه عن القارورة، أجاب وكل اهتمامه منصب على هبوط الكرة التالية هدية من حماتي حتى أكسب اللوتو
 
التفت حلمي إلى بشير المنهمك في لعبة على جهاز كومبيوتر كبير الشاشة، واستفسر بود وأنت تلعب أيضاً !
 
مبتسماً عقب بشير بصوت منخفض قلة الشغل بتعلم التطريز ثم أردف ساخراً من حال العمل وإلا أقول كثر الشغل
 
أما طارق فقد كان يقلب صحيفة سباق خيل بكسل· علق حلمي وكأنه مجبـــر علـى الكلام أو كسر جدار صمت كان لا يريحه كيف ! راح نربح اليـــوم ؟
 
ألقى طارق بالصحيفة جانباً وقال يرثي حظاً لم يبتسم له منذ أمد بعيد راضي بمئة فرنك
 
قال نبيل مزهواً أنا مرة ربحت ألفين فرنك
 
وقبلها خسرت ثلاثة آلاف عقب بشير ضاحكاً·
 
قال نبيل أستاذ، البارحة رحت لأجيب علبة دخان· أعطيت البياعة عشرين فرنك واشتريت ورقة بانكو بالخمسة الباقية· كسبت خمسين فرنك· الدنيا ما وسعتني من الفرحة
 
حظك، أنا بلعب من سنتين وما ربحت شي قال حلمي يندب حظه التعيس·
 
دخل شاب ملتح يميل إلى السمنة ألقى السلام على طريقة أئمة المساجد، ثم أشار إلى حقيبة حلمي سائلاً بعربية فصحى متعمدة من المسافر إن شاء الله ؟
 
هادي شنتة أخوك أبو الأحلام أجاب نبيل·
 
عاد الملتحي إلى لهجة نصف محكية موجهاً كلامه إلى حلمي خير إلى أين ؟
 
ارتاح حلمي للسؤال لأنه قد يفتح الموضوع الذي جاء من أجله ولم يجد للآن لا مناسبة ولا جرأة لفتحه لا وحياتك، مطرود من البيت أجاب بحزن ممثل مسلسل تلفزيوني عربي، وإن كان من الصعب القول إنه ليس صادقاً· تجاهل الرجل الإجابة، يبدو أن طول إقامته في فرنسا علمته أن لا يكثر من التدخل في ما لا يعنيه، حاول تغيير الموضوع مازحاً:
 
قلت يمكن تكونوا عاملين شاي !
 
وثب حلمي من مقعده عارضاً القيام بذلك· هبط الدرج الخشبي الضيق إلى حجرة صغيرة شبه مظلمة تفتقر للنظافة وتتراكم فيها صناديق مليئة بكل ما هب ودب من فراشي دهان مستعملة وأنابيب بلاستيكية من مختلف الأحجام والأشكال، وتنتشر في زواياها أدوات الصيانة والدهان القديمة برائحتها القوية النافذة· على طاولة قديمة سخانة كهربائية وإبريق لتسخين الماء وكؤوس زجاجية رخيصة وعلبة شاي· ولها كوة صغيرة يتسرب نور الشمس، هي في الواقع جزء من رصيف الشارع·

الصفحات