أنت هنا

قراءة كتاب الموتى لا يكترثون بالورود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموتى لا يكترثون بالورود

الموتى لا يكترثون بالورود

رواية "الموتى لا يكترثون"؛ لم كان الموتى يتكلمون؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
انتظر حافلة من تلك لتجوب فيه الشوارع التي يحب رؤيتها من خلف زجاج مبلول، خاصة التي تعبر جسراً قديماً· من داخل حافلة طويلة وهو قابع في مقعد خلفي بمحاذاة نافذة مبتلة كان يصغي لصوت قطرات المطر المدرار ويفكر في حلمه وتفسير الطبيبة· هل الموت، حقاً، كالحجرة التي رآها ووصفها، بارداً وفارغاً بلا حياة· ألا يمكن أن يكون تفسيرها خاطئاً ؟
 
توقف هطول المطر، فهبط من الحافلة في المحطة التالية ليهيم في أجمل ما في المدينة، أزقتها القديمة المبلطة، ولكي يقصي عن ذهنه التفكير بحجرة حلمه ناصعة البياض والتفسير المزعج المثير للأعصاب· كان حرياً به أن يسأل نفسه كيف وصل إلى هذه الحالة عوض التفكير في الموت وحجرة حلم خيالية· لكن اسمه حلمي، أليس كذلك ؟
 
رغم أن والديه قد اتفقا على تسميته، بعد جدل طويل، حلمي وعاش حالماً أكثر مما تخيل، وربما مما يجب، فإن ذلك لا يمنعنا من البوح ببعض خصوصياته·
 
عاش حلمي طفولة سعيدة في دمشق· كان والده ميسور الحال ولا يزال ووالدته سليلة أسرة عريقة، فلم يعرف الحاجة يوماً· كان تلميذاً مجتهداً، درس المحاماة بعد تخرجه بتفوق من المدرسة الثانوية، ثم قدم إلى باريس ليكمل دراسته ويعود يوماً وأمام اسمه حرف د· لكن شتاءات باريس علمته الكسل والنوم الطويل في الصباح، فلم يداوم على دراسته حتى لفظته الجامعة خارج أبوابها مطروداً·
 
بطبيعة الحال، لم يخبر أهله شيئاً عمّا طرأ على دراسته وما آلت إليه مؤخراً، وعاش سنة أخرى يتلقى المساعدة من والده الذي علم بالصدفة عن طريق أحد زملائه في الدراسة، كان في زيارة لأهله وبزلة لسان أخبر أفراد عائلته في أمسية سألوه فيها عن صديقه، ورغم توسله أن لا يخبر أحداً منهم والد حلمي بما حصل، كي لا يصبح واشياً، إلا أن الأب لم يقطع على نفسه أي عهد، على النقيض تماماً شعر بذنب إن لم يطلعه على ما حصل ليجد له حلاً· وعليه، كان أول ما فعله حين صادفه أن أخبره بكل ما يعلم·
 
من جهته، رفض حلمي العودة إلى أهله دون الحرف الذي جاء من أجله، كما يدعي، وهم بدورهم توقفوا عن مده بالمساعدة المالية التي كانت تصله بانتظام كل شهر·
 
لعل والد حلمي كان محقاً حين أجاب بمرارة على من لامه لترك ابنه مفلساً في بلد غريب أرسلت إلى فرنسا طالباً لا سائحاً
 
أما حلمي الذي لم يعرف العمل من بين أشياء كثيرة، فلقد علق باسماً:
 
رزق الحالمين على المجانين
 
ويعتقد أنه محق، فها هو في منتصف العقد الثالث من عمره أو أكثر، ويعيش في واحدة من أغلى مدن العالم دون عمل· تسأله كيف يدبر أموره، فلا تتلقى منه إجابة شافية !
 
كثيراً ما تراه يطوف المقاهي، يجلس دون استئذان إن شاهد شبه معرفة· يتصنع الضحك، يحاول المشاركة في الحديث، يتفوه بأشياء لا تزيده والحاضرين إلا حرجاً، ويتعرف على من لا يعرفه قبل أن ينسحب تاركاً أحدهم يدفع ثمن شرابه·
 
في اليوم التالي، لا تدري من أين ولا كيف يحصل على أرقام هواتفهم ويبدأ الاتصال بهم طالباً سلفة·
 
تعلم حلمي من محاولاته العديدة في طلب السلف أن المكالمات الهاتفية نادراً ما تثمر، إذ كثيراً ما يقطع محدثه المكالمة بحجة أن أحداً على الباب أو أنه ترك شيئاً على نار الموقد وعليه أن يدركه قبل أن يحترق أو حتى أن صابون الحلاقة لا يزال على وجهه، ويعده بالاتصال بعد حين ولا يفعل· لذا صار يتصل ويحدد موعداً ومقابلة الضحية في مقهى لأمر ملح·
 
آخر مقابلاته جرت على النحو التالي :
 
بعد أن اعتذر عن الإزعاج وشرح أن الحالة ليست على ما يرام، طلب ألفي فرنك كدين يرد سرعان ما يفرجها ربك
 
الآخر : آسف، حالي في الغربة مثل حالك، ربما أسوأ·
 
حلمي : ( دون استسلام أو دهشة، فلقد اعتاد على توقع أجوبة أسوأ) حسناً، ألف وخمس مئة تكفي الآن·
 
الآخر : والله ما معي·
 
حلمي : بسيطة، أعطني ألفاً·
 
الآخر : ( محاولاً أن لا يفقد أعصابه) أتمنى لو كان معي·
 
حلمي : ( وقد غير جلسته وحك ذقنه بخنصره) معقول ما معك خمس مئة !
 
الآخر : ( انزعاج ظاهر) اسمعني جيداً، ما معي·
 
حلمي : ( ضحكة مفتعلة، عصبية قليلاً) خلص يا سيدي مئتان تكفي الآن·
 
الآخر : ( بنفاذ صبر وعصبية) كيف يمكن أن أفهمك !! يا أخي والله ما معي·
 
حلمي : ( مقاطعاً) خلص، فهمنا·
 
قبل أن تبدو علامات الارتياح والانفراج على الآخر المسكين، أكمل، هات خمسين·
 
الآخر : ( حدة) الظاهر إنه جلدك بنمنم على بهدلة· يا بني آدم أنا محتاج ومديون أكثر منك·
 
حلمي : ( حدة مماثلة) حرقت سماك، هات عشر فرنكات لأشتري سندويشة، والله ما عرفت طعم الأكل من يومين·

الصفحات