رواية "الموتى لا يكترثون"؛ لم كان الموتى يتكلمون؟
أنت هنا
قراءة كتاب الموتى لا يكترثون بالورود
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
IV
مر عام··· عاد الشتاء قاسياً، قارساً، مظلماً وحلمي لم يزل نزيل قبوه لم يتغير من حاله سوى أنه اعتاد حياته الجديدة··· والحياة كثيراً ما تكون قبعة ساحر مليئة بالمفاجآت، إن لم يكن دوماً، ففي مساء يوم جاء إلى محل الصيانة شاب يرتدي ما يشبه معطفاً من بلاستيك أزرق شفاف فوق ملابسه الشتوية الثقيلة، ليقيه رذاذ مطر خفيف متراقص كندف ثلج أواخر الخريف· أوقف دراجته الهوائية بمحاذاة الرصيف الذي اصطفت عليه بعضٌ من صناديق قمامة باريس الخضراء حتى كادت أن تسده تماماً· دلف المحل وأصحابه يستعدون للمغادرة· لا بد أنه كان عزيزاً عليهم إذ ما أن رأوه حتى تركوا ما بأيديهم ليرحبوا به بحرارة ويخبروه أن يكبح عجلات دراجته بقفل الأمان لأن حيهم ليس آمناً· رد الشاب الذي ينم صوته عن سكينة داخلية لا تعكسها هيأته المتواضعة إنه سيراقبها بطرف عينه، لكنه سرعان ما أدرك أنه بحاجة لأكثر من ذلك عندما شاهد لفيفاً من أبناء المهاجرين، أمثاله، يلتفون حولها·
استفسروا بعد عودته إن كان عمله يسير بيسر كدراجته فحمد الله ولم يزد مفصحاً· من جهتهم، رد بشير على سؤاله المماثل وابتسامته اللغز لا تكشف كعادتها كثيراً من سرها اللعوب شغلنا زي دراجتك، عليه قفل، لكن ليس للأمان ثم أردف كي لا يبدو قوله تذمراً أو شكوى أو عدم رضا بتهون !
ردد الشاب كلمة التفاؤل الأخيرة، وإن كان في سره يتساءل عن معناها الحقيقي المهم نبقى في حركة وبعد صمت قصير أضاف كأنه كان يبحث في مؤخرة رأسه عن قول مأثور استعصى على ذاكرته راكب الدراجة إذا وقف يقع
أشعل نبيل سيجارة ولم ينظر إلى دخانها حين يطلق تعليقاً ساخراً ليأخذ الحديث في مسار آخر كل الحكي عن الدراجات· متى سنتكلم عن السيارات ! المهم، كيف توزيع الإعلانات ؟
وجع رأس أجاب الشاب باقتضاب، ليس هرباً من الإجابة، لا لأنه قليل الكلام، بل لأن ذلك بالنسبة له عمل وليس موضوع حديث·
عمل صعب ؟ ! سأل طارق مشككاً أكثر منه مستفسراً، وقبل أن يجيب الشاب أكمل تمر على البيوت وتضع الإعلانات في صندوق البريد أو على زجاج السيارات الأمامي· والسلام ختام
صحيح، لما يكون في حقيبتك عشر إعلانات
تدخل حلمي الذي لم يكن يعرف الشاب، ويقابله للمرة الأولى طيب، ومن يدري لو رميت نصفها في صندوق القمامة·
صاحب المصلحة، عنده أساليبه ولما لم يجد الشاب أن حجته مقنعة أضاف من يفعل هذا لا يبقى في السوق يومين
كم ساعة تعملون في اليوم ؟ سأل حلمي بتودد وكأنه يعتذر عن سؤاله السابق من جهة ولأن المهنة بدأت تروقه من جهة أخرى·
لا نعمل بالساعة· من ينهي التوزيع، الله معه
تعاظم اهتمام حلمي فلم يجد غضاضة ليسأل ما يعتبر سؤالاً غير مقبول في تلك البلاد وكم يدفعون لك ؟
ابتسم الشاب بخجل ورد بما يشبه الهمس أنا من يدفع!
يعني هو المدير سارع نبيل مفسراً ليوفر على حلمي عناء سؤال بديهي·
كاد حلمي أن يقفز طرباً لسماع ذلك، ولم يتمالك نفسه حين قال بدهشة قريبة من صيحة تحف بها ابتسامة عريضة المدير !!
مدير بلا إدارة علق الشاب ضاحكاً بسخرية ملوحاً بيده في الهواء دلالة عدم الاكتراث في محاولة لتغيير الموضوع فلم يعد هناك أكثر لأن يقال سوى إضافته كلنا قردين··· وقرد صغير قال الكلمة الأخيرة وهو يشير إلى صدره· لم يكن حلمي من النوع الذي يكترث لأعراف الحديث، فلقد حل الشتاء وزمهريره بحاجة لمزيد من الطعام· قال كمن يضع كل أوراقه على الطاولة مرة واحدة إذا احتجت إلى عمال أنا جاهز
لم يكن أحد يتوقع سرعة رد الشاب وحسمه واقتضابه أهلاً وسهلاً كان كل ما قال وعناه·
وهكذا أصبح حلمي موزع إعلانات·