أنت هنا
قراءة كتاب أنا وحّي الأمجاد ومسعودة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
هي من شمال أفريقية، من الجزائر ذات الطبيعة الخلابة والجو المعتدل الرائع وبلد النضال الذي أعطى مايقارب المليوني شهيد.. وانا المشرقية، منشأ وهوى. ومن بلاد الرافدين ذات الحضارة العريقة والجو القارّي المتقلب والمتعب الذ تنعكس طبيعته على ناسه ذوي الطباع الحادة والأمزجة المتقلبة حتى في عواطفهم، يحبونك بالسرعة التي يكرهونك بها وبالعكس. والأهم من كل هذا، وما يميز مسعودة عني في الوقت الحاضر أنها تمتلك جناحين تحلق بهما متى شاءت وكيفما ارادت لتمارس رحلة الشتاء والصيف، مرة تطير إلى فرنسا واخرى إلى سويسرا وثالثة إلى "ماريبا" الاسبانية، وتعود منها ببشرة برونزية لامعة ونفس متجددة.. أما أنا فجناحاي مقصوصان، ورغم ولعي بالحلّ والترحال فقد حُرمت من السفر والتحليق عقداً كاملاً من عمري بسبب دخولنا حرباً ضروساً مع الأقربين من جيراننا. وها هو عقد اخر ينقضي بسبب حصار لا اخلاقي ولا منطقي ينخر في الروح قبل البدن. ما اردت قوله اني لا اعرف مسعودة تلك المعرفة التي تجعلني اضعها في الصورة التي تستحقها من مشاعر لكني سأتوقف عند محكات طريفة في علاقتي بها.
في عقد السبعينات حيث كانت دماء الشباب ساخنة تجري في عروقنا حاملة مشاعر وطنية عارمة، رحل مجموعة كبيرة من الأساتذة والمدرسين من كل البلاد العربية – كما يرحل الجنود إلى الجبهة – للاشتراك في تعريب الجزائر. كنت من بين هؤلاء الجنود المجهولين. وفي القسم الداخلي من أحد المعاهد التي خصصت لاقامتنا المؤقتة قبل ان نوزع على مدارس القطر ومعاهده. التقيت مسعودة أول مرة. كانت ضمن الوفد الذي جاء لاستقبال الموفدين لتحيتهم والوقوف على احتياجاتهم وكانت ببشاشتها ودماثتها تشعرك بأنك لست غريبا وأن كل شيء سيكون متيسراً. كنت اراها كل يوم اكثر من مرة وسرعان ما ألتفتها.. ثم عادت إلى مدينتها "وهران" والتحقتُ انا باحد المعاهد في العاصمة، ولم أعد أراها بعد ذلك حتى عطلة العيد .
للعيد في الجزائر هيبة قد لا تماثلها في أي قطر عربي آخر بخاصة العيد الذي يحل بعد شهر رمضان وانعكاساته تبقى اياما بعد انقضائه.
في اول يوم بعد انتهاء العطلة احتوينا باحة المعهد التي تطل على سفح جبل مخضوضر تظلله اشجار الصنوبر وتعبق برائحته العطرة. كانت مسعودة قد جاءت بصحبة قريبة لها من الزميلات بعد أن علمت منها أنني أعمل معها في ذات المعهد. كان لقاؤنا ساخناً وكأننا صديقتان منذ الأزل وافترقنا.
في تلك الفترة كانت الغربة قد علمتني عادة التدخين فأخرجت من حقيبتي علبة السجائر وتناولت واحدة وأشعلتها بينما كانت الزميلات قد دخلن في أحادديث نصفها بالفرنسية والنصف الآخر باللهجة المحلية التي لم اكن بعد قد اتقنت فهمها جيداً. وما إن هممت بارتشاف أول نفسٍ من الدخان حتى جاءتني لكزة قوية وسريعة من الزميلة التي تجلس عن يميني، لكزة أجفلتني وهية تستعجلني اطفاءها قائلة وعلى عجل: