تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.
أنت هنا
قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
مقدمة
تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟. وهذا السؤال كما يمكن أن يلاحظ القارئ سؤال تقليدي ضارب في القدم. لكن قدم الأسئلة كما هو معلوم، أياً كان نوعها، ليس مسوّغاً للإعراض عنها وتجنبها.
لن نتطرق إلى هذا السؤال من منظور ما قيل عنه في التراث. سنعالجه من منطلق يبحث عن الاختلاف الذي يقدمه الجواب المقترح اليوم عن الأجوبة التي اقترحت في الماضي. وإذا أردنا أن نعيد وضع السؤال في ضوء هذا التوضيح فإننا لن نعثر على صيغة أفضل من: ما طبيعة الفكر "اليوم"؟.
وتتطلب منا هذه الصيغة التاريخية في المساءلة أن نحدد الإطار المرجعي الذي نصدر عنه، لأن ما يقال اليوم عن الفكر كثير لا يستطيع أحد أن يحيط به. وفي هذا الصدد نقول: سنعالج سؤال الفكر والإشكالات المتصلة به من منظور ما أطلق عليه بوتنم (1881) لقب "النزعة الذهنية لمعهد المساشوسيتس (MIT)" المتصلة بأعمال كل من نعوم تشومسكي وجرّي فودور ومن سار على نهجهما.
تصدر هذه النزعة عن تصور عقلاني يقضي بأن الإنسان يولد مزوداً بجهاز فطري مخصص تخصيصاً عالياً يمكنــه من اكتساب المعارف. وترى أن المحيط لا يلعب إلا دوراً هامشياً في هذا المسلسل الاكتسابي. وتؤمن بإمكان تخصيص "محتويات" هذا الجهاز الفطري تخصيصاً علمياً على النحو اللذي تخصص به الفيزياء (بالمعنى العام) موضوعاتها.
إن هذه النزعة، باختصار، تمزج افتراضاً ميتافيزيقياً تبلور في سياق عقلاني بنزعة وضعية ترعررت في سياق تجريبي. لكنها تخرج من هذا المزج بنسق جديد لا يفصل بي الفكر والمادة، وهنا يختلف عن الطرح العقلاني الكلاسيكي والقديم، ولا يرتمي في أحضان النوعة الفيزيائية (Physicialism) كما هو الحال عند الوضعيين.
سنخصص الفصلين: الأول والثاني لمعالجة الإشكال الذي ينشأ عن هذا المزج. ويمكن وضع هذا الإشكال على النحو التالي: كيف يمكن إلغاء الخط الفاصل بين الفكر والمادة دون الانخراط في الدفاع عن النزعة الفيزيائية؟ أو بعبارة إبستملوجية حديثة: كيف يمكن محو الفارق القائم بين الحالات الذهنية والحالات الدماغية دون القبول باختزال علم النفس إلى الفيزياء؟.